الخميس، 4 أبريل 2013



سوء إدارة المياه في لبنان وقوانين منذ العهد العثماني 
Thursday, April 04, 2013 - 10:23 AM

سوزان برباري

لبنان ليس بعيداً عن واقع الصراعات التي تدور في مناطق مختلفة من العالم بسبب نقص المياه ، وذلك في ضوء ما تضمّنه تقرير وزارة البيئة حول تغير المناخ وتأثيره على المياه والذي أشار إلى أنّ لبنان "سيواجه نقصا متفاقما بالموارد المائية وكذلك سيشهد تفاقم تلوث الابار الساحلية بالمياه المالحة". ولفت التقرير المذكور إلى أنّ "نقص المياه المتوقع يتراوح بين 250- 800 مليون متر مكعب سنويا بحلول سنة 2015 كما يتوقع ارتفاع معدل درجات الحرارة وإنخفاض التساقطات بين 10 -20 في المئة بحلول عام 2040 وإنتقال زراعة بعض المحاصيل خاصة الحمضيات والزيتون والتفاح الى المناطق الاعلى، وتغيير في المحاصيل الزراعية وزيادة في طلب الري بسبب نقص المياه ما سيهدد الامن الغذائي فضلا عن اختفاء بعض أنواع النباتات واستبدالها باخرى، وتعرض غابات الارز للتهديد بسبب ارتفاع درجات الحرارة..." و السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستؤدي ندرة المياه إلى نشوب نزاعات خفيفة أو إلى شن حروب طاحنة حول العالم ؟ لا شكّ أنّ التهديد الأمني الرئيسي هذه الأيام، والذي يتعلّق بندرة المياه، ليس نشوب حروب حول المياه بل هو بالأحرى، البعد الأمني الإنساني لندرة المياه، والذي قد يشكل تهديداً أمنياً، على الصعيدين المحلي والعالمي. ، من دون ان ننسى خطورة كلام وزير الطاقة والمياه في جبران باسيل عندما حذر من أنّ "ملف المياه أخطر من ملف الكهرباء". أكثر من ذلك، فإنّ ما يستوقف المتابعين هو الهدر الحاصل إذ إنّ لبنان لا يهدر 1.5 مليار متر مكعب من المياه فحسب، وهو هدر يسبّبه غياب السدود والأحواض الجبلية لتجميع مياه الأنهر والينابيع لمحاصرة مياه الثلوج وزيادة المساحات المروية واعطاء مردود أكثر للزراعة والكهرباء وتنمية فرص العمل، وانما لبنان العالي المديونية بين بلدان العالم بصورة قياسية، ووفق تقديرات أعلنها الخبير الدكتور فادي قمير، "سيهدر مئات ملايين الدولارات كون الـ20 سدا المرسوم لبنائها في الخطة العشرية، كانت ستكلف قبل الآن 800 مليار دولار، وستكلف مستقبلا 2 مليار دولار، والسبب تأجيل هذه السدود لمجموعة ذرائع بينها، وللغرابة، أن سد اليمونة على سبيل المثال يقع على فالق زلزالي، مع ان بلاداً عدة تعرضت للزلازل ولم تدمر سدودوها، حيث ان بناء السدود يخضع لقواعد علمية تدعمها بطريقة تتكفل بصمودها في وجه مثل هذه المخاطر".



مياهنا مهددة



صحيح أنّ لبنان غنيّ بالموارد المائية مقارنةً بمعظم الدول العربية الأخرى، إلا أنّ هذه الموارد مهدّدة على نحو متزايد على الرغم من هطول الامطار، إذ إنّ التوسع الحضري السريع وغير المراقب أهم مصادر المياه في شرقي البحر المتوسط إذ يجري فيه حوالي 40 مجرى مائي خلال العقود الماضية أدّى إلى تدهور خطير في البيئة وأفسد نوعية المياه في أغلب المناطق. ولمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذه المشكلة، يجب النظر بتمعّن ومراقبة الشريط الساحلي الذي يعجّ بالكثافة السكانيّة، وصولاً إلى منحدرات الجبال.وقد بدأت مخاطر تلوّث المياه تتزايد يوماً بعد يوم، بصورة كبيرة، ولا سيّما بسبب الاتّساع الحضري في العديد من المناطق الجبلية، إذ يجري تصريف المياه المستخدمة في المنازل من دون معالجتها، وذلك إمّا عبر الأودية أو مباشرة تحت الأرض عبر المجاري والبواليع غير المقفلة.

سوء ادارة.. مرض مزمن

بحسب رئيس قسم البيئة و الصحة في الجامعة اللبنانية الدكتور جلال حلواني، فإنّ "مشكلة المياه في لبنان هي في سوء الإدارة والتوزيع والتلوث أكثر منها في الندرة والشح، خصوصاً أنّ 70 في المئة من المياه تذهب لاستخدامات الري والزراعة و50 في المئة هدراً في شبكات التوزيع، وان تنظيم عمل حفر الآبار الارتوازية وإقفال غير المرخص منها وتركيب عدادات يمكن أن يوفر ما يقارب 50 في المئة من المياه الجوفية ومداخيل مهمة للخزينة وأن إعادة الاعتبار للمياه كملكية عامة يؤمن الحد الأدنى من حقوق اللبنانيين في مياه شرب طبيعية ومجانية، والتريث في إنشاء السدود قبل استنفاد كل وسائل التخزين الأخرى والبديلة عن التخزين الجوفي". ويشير الدكتور حلواني إلى أن "الشبكات تحتاج إلى إعادة تأهيل لايقاف الهدر بعدما تبين أنّ كمية المياه المهدورة في ظل استخدام العدادات تساوي 50% اذ تم احتساب كمية المياه الخارجة من المصدر واحتساب الكميات الموزعة والمستهلكة عبر العدادات فتبين ان الكمية المستهلكة لم تتجاوز 50% من الكميات الخارجة من المصدر. فالنقص في الإمدادات المائية وإهمال متطلبات النظافة الصحية هما المسؤولان الأساسيان عن تفشي الكوليرا وأمراض أخرى مسببة للإسهال". وفي هذا السياق، يعلن الدكتور حلواني عن "حل للحفاظ على المياه الى جانب موضوع السدود الا و هو الشحن الاصطناعي مثلما يحصل في تونس بمعنى سحب المياه من قلب المياه الجوفية وشحن المياه داخل احواض اصطناعية و ذلك بفلترة مياه الامطار عن طريقة التربة ووصلها الى المياه الجوفية وهكذا نستعيد 50 بالمئة من المياه الجوفية بخلاف ما يحصل في الحالة الطبيعية التي تاذت بفعل عدة اسباب ابرزها التوسع العمراني وسوء ادارة المياه بصورة علمية بعدما كان لبنان ينعم بفائض مائي واليوم يذهب معظمه هدرا إلى البحر رغم إمكانية الاستفادة من هذه المياه عبر بناء السدود أو البحيرات الجبلية".أما فيما يتعلق بالسدود، فيوضح الحلواني أن "بعض الجيولوجيين يتحفظون على السدود خاصة الكبرى لأن طبيعة لبنان الجيولوجية متشققة تسمح بتسرب المياه، كما يجري في سد شبروح الوحيد الذي بني حديثا بسعة ثمانية ملايين متر مكعب يهدر نصفها تسربا".



قوانين منتهية الصلاحية!



من يصدّق أنّ قوانين المياه في لبنان تعود إلى العهد العثماني؟ هذا هو الواقع، فقوانين المياه "العثمانية" منتهية الصلاحية حيث كان التركيز فيها على الحقوق المكتسبة على المياه والاتفاق الحاصل بين السلطة وبين المواطنين على توزيع المياه بشكل عادل لتأمين التنمية الزراعية مما شكل أماناً في وجه المشاكل الاجتماعية والسياسية التي كان من الممكن ان تحدث ولفترة زمنية طويلة الى نهاية القرن السابع عشر مما ادى الى استقرار اجتماعي ونقلة نوعية في استثمار الاراضي بصورة حضارية وفي ظل العادات والتقاليد الى جانب القوانين. ومع بداية القرن التاسع عشر وبعد اعطاء السلطة العثمانية امتيازات لتنفيذ مشاريع مائية مثل جر مياه نهر الكلب الى بيروت برزت الاشكالات التي تم حلها عبر مفاوضات واتفاقات الحقوق المكتسبة للمياه التي كرست لحد الآن والتي تشكل عقبة في الملكية العامة للمياه على مستوى الدولة مما يستدعى اجراء تعديلات عليها واستملاك الدولة لمصادر المياه بعد التعويض على اصحاب الامتيازات والعمل على حصر الحقوق المكتسبة. وهكذا، فان المياه كملكية عامة لا تحظى بقانون "عصري" يرعاها في لبنان كما أنّ لا قواعد قانونية شاملة أيضاً، ومن المعيب ان تبقى بعض القوانين الجيدة في الارشيف رغم ان بعضها جيد وسابق لعصره، خصوصاً لجهة ان المياه الملوثة لا يمكن استرجاع نقاوتها الا بعد عشرات او مئات السنين ولهذا من الضروري القيام بالفحوصات المخبرية لنوعية المياه وايقاف الهدر واصلاح الشبكات وتأهيلها.

سدود وقصة الف ليلة

إزاء هذا الوضع المتأزم، يلاحظ المدير العام للموارد المائية والكهربائية الدكتور فادي قمير وجود 60 سد في قبرص و200 سد في سوريا ومئات السدود أيضاً في تركيا بعكس لبنان الذي لا يوجد فيه حتى الآن سوى سد شبروح، ذلك السد "اليتيم" الذي بات يؤمن حاجات منطقة كسروان والمتن من مياه الشرب نظراً لكونه يحوي محطة تكرير بقوة 60 الف متر مكعب ويتسع لـ8.5 ملايين متر مكعب، بينما تهدر نسبة كبيرة من المياه في البحر، وغالبية اللبنانيين يحتاجون إلى مضخات كهربائية لإيصال المياه إلى منازلهم، كما لا تنفك السلطات الرسمية والهيئات البيئية تحذر من مغبة هدر المياه في المنازل نظرا لتداعياته الخطيرة على المخزون الجوفي. فعلى مساحة 10452 آلاف كلم2 وفي شريط ساحلي بطول ٢٢٠ كلم، يتوزع 14 نهرا في أنحاء مختلفة من لبنان يصب 12 نهرا منها في البحر. وتقدر كميات المياه المهدرة -سواء من الأنهر أو السيول الشتوية- بنحو 1.2 مليار متر مكعب سنويا.وقد بنيت بعض السدود على فترات متفاوتة لتأمين احتياطي مائي يستخدم في الري وحل مشاكل المزارعين، وفي إنتاج الطاقة الكهربائية المجانية من دون تلوث، لكن هذه النتائج لم تشكل حافزا للسلطات لتعميم التجربة.ويلفت قمير إلى أن دراسة مشاريع السدود تستغرق وقتا طويلا، مؤكدا وجود النية لدى السلطات المعنية لحفظ المياه التي تهدر في البحر بكمية هائلة. ويوضح أن "السدود تؤمن ٨٥٠ مليون متر مكعب سنويا موزعة على مياه الشرب والري وإنتاج الطاقة، بالإضافة إلى المردود الإيجابي من بيع المياه، ومردود التوفير على الأسرة اللبنانية التي تدفع فاتورة ماء للدولة وللخزانات وللمياه المعبأة".



حلول بلا حلّ



متى يبدأ التنفيذ والتطبيق ونخرج من بحر اللغة الخشبة المحصورة بـ"سين" المستقبل الذي لا يأتي أبداً؟



وهنا، وقفة عند بعض الحلول التي يعدّدها الدكتور فادي قمير وتشمل "إجراءات للتخفيف من تأثيرات تغير المناخ وخصوصاً على دورة المياه في مجالات المتساقطات والفيضانات ومواسم الجفاف وشح الينابيع وارتفاع درجة الحرارة الذي يزيد من الطلب على المياه في شتى المجالات، الى المعطيات التي يجب اخذها بعين الاعتبار عند انشاء السدود لأن المتغيرات الأخيرة في المناخ غيرت التوقعات المبنية على دراسات سابقة حيث اصبحت هذه الدراسات تحتاج الى التعديل على ضوء معطيات المتغيرات المستجدة، مع الاخذ بعين الاعتبار الأثر البيئي والأمن المائي و أن وزارة الطاقة توقفت عن إعطاء التراخيص لحفر الآبار بغية تنظيم هذه العملية كما وضعت آلية جديدة مع شروط دقيقة تحافظ على الموارد المائية الجوفية هي في طريق التطبيق وإجراء مسح على الآبار الارتوازية كافة في لبنان المرخصة وغير المرخصة، الخاصة والعامة، بالتعاون مع الوزارات المعنية كافة، ولاسيما الداخلية والبلديات لضبط هذه الابار ووضع عدادات عليها واستيفاء الرسوم المتوجبة وإقفال ما يهدد الينابيع او الآبار العامة عداوضع آلية جديدة للتراخيص أكثر تشدداو ضبط وترشيد الاستخدامات كافة وتحديد الطلب بدل تعزيزه فضلا عن ضبط الاستخدامات المنزلية عبر استبدال العيارات بالعدادات و اصلاح الشبكات لوقف الهدر وتحسين الجباية والترشيد في الاستهلاكات كافة لا سيما في المسابح الخاصة صيفا، وفي الفنادق، ووضع العدادات ونظم إعادة الاستعمال. هذا بعد القيام بمسح شامل ومراقبة لاستهلاكات المياه في هذا القطاع ووضع الرسوم على الاستهلاكات والإسراع في معالجة الصرف الصحي في لبنان، اذ يمكن الاستفادة من خلال معالجة هذا الموضوع بحماية مصادر المياه الجوفية من التلوث، وإعادة استعمال المياه المبتذلة بعد معالجتها في الزراعة، في المناطق الزراعية، او إعادة الاستخدام في السياحة، ولاسيما في ري أشجار وأزهار وسطيات الطرق والتوفر من المياه العذبة المستخدمة في القطاع السياحي، غير المقدرة حتى الآن مع إعادة فتح المختبر المركزي بأسرع وقت ممكن او تامين البديل السريع الذي يقوم بدور المراقب، وفحص العينات مجانا ، وتطبيق مرسوم إنشاء لجنة مراقبة مصادر المياه التي يرأسها مدير المختبر المركزي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق