الثلاثاء، 23 أبريل 2013



الجاليات الفلسطينية في أوروبا
 |

يزداد أبناء الشعب الفلسطيني في اللجوء والشتات عددا ويزداد الحديث عنهم وعن دورهم خاصة في ظل ما يحاك لإسقاط حق العودة الذي يمس ويهم كل فلسطيني أينما وجد. هذا الدور شبه مغيب لأسباب سأحاول هنا حصرها وإقتراح حلول لها مع برنامج عمل مقترح، وذلك لتفعيل دور الجاليات في الشتات عموما وفي أوروبا خصوصا ليستمر التواصل مع وطننا الأم حتى تحقيق الحلم بالتحرير والعودة.

لمحة تاريخية
خاض الشعب الفلسطيني خلال القرن الماضي صراعا مريرا ومتصلا في ظل إنحياز عالمي كامل ضده وتآمر إقليمي ودولي أسفر عن ضياع فلسطين على مرحلتين وتشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين وتهجيرهم من وطنهم الأصلي ليتوزعوا على مناطق اللجوء والمهجر وليبدأوا رحلة عذاب جديدة لإثبات الذات وبناء مجتمعات الشتات والتواصل مع الوطن السليب وإبقاء حلم التحرير والعودة حيا يورثه الآباء لأبنائهم.
لم تكن الدول الأوروبية ملاذا أساسيا لموجات الهجرة القسرية الأولى عام 1948 التي أجبرت الفلسطينيين على مغادرة الوطن كما هو الحال بالنسبة للدول العربية المجاورة لفلسطين، باستثناء بريطانيا التي هاجر إليها البعض عام 1948 لينشأوا نواة لمجتمع جديد.
تغير هذا الوضع بعد هزيمة عام 1967 والممارسات القمعية للإحتلال والتي حولت أبناء فلسطين إلى لاجئين داخل وطنهم وكذلك الضغوطات والإجراءات التشديدية من قبل الدول المضيفة للاجئين وإمتداد المواجهات المسلحة لما عرف بدول المواجهة والتي أدت جميعها لموجة نزوح جديدة وهجرة نحو المنافي البعيدة والتي كان للدول الأوروبية منها نصيب.
شكّل الطلبة الجزء الأساسي من موجات الهجرة الجديدة خاصة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا مما يفسر إرتفاع نسبة المتعلمين من الفلسطينيين في بعض هذه المجتمعات. بعد ذلك وصل الآلاف خاصة من مخيمات لبنان بعد إجتياح عام 1982 إلى الدنمارك وهولندا والنرويج والسويد وألمانيا.
الموجة التالية كانت بعد إندلاع الإنتفاضة الأولى خاصة بعد قرار الحكومة الألمانية قبول طلبات اللجوء من أبناء الضفة والقطاع مما يفسر إرتفاع عدد أبناء قطاع غزة خاصة في مدينة برلين.
آخر موجات الهجرة الجماعية كانت عقب حرب الخليج الثانية حيث إلتحق العديد من سكان الخليج من الفلسطينيين الميسورين نسبيا بأبنائهم المتواجدين في الشتات خاصة بريطانيا وفرنسا، إضافة لأميركا الشمالية.

توزيع الجاليات وخصائصها

حصر أعداد الفلسطينيين في أوروبا مسألة شاقة ومعقدة لعدة أسباب أهمها غياب أي حصر رسمي لهم خاصة في ظل القوانين المحلية التي لا تعترف بهم في كثير من الأحيان كجنسية أو فئة أو أقلية منفصلة بل تضعهم ضمن تقسيمات مثل (من الشرق الأوسط- آخرين) أو تردهم للدول التي قدموا منها كتصنيف حملة الوثائق حسب البلدان التي أصدرت تلك الوثائق أو إعتبارهم دون وطن (Stateless ).

يقدر العدد بشكل عام بحوالي 200000 حسب المجلس الأوروبي موزعين كالتالي ألمانيا 80000 - الدنمارك 20000 - بريطانيا 15000 – السويد 9000 وفرنسا 3000 ولكن للأسباب السابقة الذكر فإنه بحكم المؤكد أن العدد الإجمالي أكبر من ذلك بكثير حيث تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الفلسطينيين في ألمانيا وحدها يتجاوز ال 200000 وفي بريطانيا حوالي 50000 وكذلك الدول الأخرى والتي لم يشملها تقدير المجلس الأوروبي والتي يتواجد بها عدد لا بأس به من الفلسطينيين كهولندا وإيطاليا والنمسا وإسبانيا وغيرها.
بالرغم من الخصائص المشتركة التي تجمع الفلسطينيين في الشتات إلا أن هناك فروقات لا يمكن التغاضي عنها كالوضع الإجتماعي والخلفية الثقافية ودرجة التأقلم مع المجتمعات المضيفة وغيرها.

أهم الفروقات وبشكل عام هي أن الهجرات الجماعية الأولى أبرزت طبقة من حملة الشهادات العليا والذين إستطاعوا الإندماج في المجتمعات المضيفة بعكس الموجات الجديدة التي تعتبر أقل تعليما وأقل إندماجا في المجتمعات مع وجود نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل.

سأحاول هنا تناول بعض الخصائص للجاليات الرئيسية في أوروبا حسب ما ورد في عدة بحوث كان أهمها ما نوقش في ورشة عمل خصصت للاجئين الفلسطينيين في أوروبا أقامتها كلية سان أنطوني بجامعة أوكسفورد عام 2000 وشارك فيها باحثون من مختلف الدول الأوروبية وعدة دراسات أخرى

ألمانيا

ينطبق على ألمانيا ما ينطبق على غيرها من الدول وأعني هنا صعوبة الإحصاء والخصائص العامة وموجات الهجرة ويقدر عدد الجالية هنا بين 80000 و 200000 مع تركز عدد كبير منهم في مدينة برلين التي يقدر عدد الفلسطينيين فيها بعشرات الآلاف.

تتشكل غالبية الجالية هناك من مجموعتين أساسيتين: لاجئين من مخيمات لبنان عقب الإجتياح عام 1982 ومن أبناء قطاع غزة عقب إندلاع الإنتفاضة الأولى عام 1987 ومعظمهم من الشباب.

يغلب على أبناء الجالية هناك تدني المستوى التعليمي بشكل عام وصعوبات من ناحية اللغة والتخاطب وإنتشار البطالة والعمل في المهن الحرفية ويعتمد الكثيرون على المعونات الإجتماعية التي تقدمها الدولة، وهذا لا ينفي أن بعض أبناء الجالية حققوا نجاحات ملحوظة خاصة في مجال التجارة.
تعاني فئة السيدات في ألمانيا بشكل خاص من شعور عام بالإنطوائية والعزلة حيث تتشكل غالبيتهن من زوجات إلتحقن بأزواجهن. أيضا تجد النساء الفلسطينيات في ألمانيا صعوبة في التعامل مع أبنائهن لضعفهن في اللغة الألمانية التي يجيدها الأبناء.

تتميز الجالية في ألمانيا وبشكل عام بإنعدام التنسيق بينها وتوجد عدة جاليات رسمية في المدن الرئيسية بل أحيانا أكثر من جالية في المدينة الواحدة دون تنسيق يذكر أو فعل حقيقي.

الدول الإسكندنافية

تشترك الجالية الفلسطينية في الدول الإسكندنافية وبشكل كبير مع ألمانيا في الخصائص ولكن يضاف إليها أن الكثيرين من أبناء الجالية فيها يعاني من أمراض نفسية تتعلق بتجاربهم المأساوية السابقة وبخاصة Post Traumatic Stress Syndrome وكذلك من البطالة (حوالي 70%)وإنعدام الرغبة الحقيقية في التعليم (أقل من 5% يتجه نحو التعليم العالي).

بشكل عام ينظر أبناء الجالية بعين من الشك والريبة لمحاولات دمجهم في المجتمعات المضيفة وبنظرة سلبية واضحة عبّر عنها أحد اللاجئين في الدنمارك بقوله: "نحن هنا في حالة تقاعد مبكر، في لبنان كنا نموت ببطء أما هنا فالموت سريع!" إضافة للتصادم الثقافي والإجتماعي بين المجتمعات الأصلية المحافظة نوعا والمجتمعات الغربية الأكثر إنفتاحا.
يلاحظ أيضا إرتفاع نسبة الطلاق بين أبناء الجالية وإنعدام التواصل والتباين الجغرافي مع غياب حضور فاعل وحقيقي لجالية منظمة.
متوسط أعمار أبناء الجالية الفلسطينية في الدول الإسكندنافية هو 40 عاما.

بريطانيا

تختلف الجالية الفلسطينية في بريطانيا عن مثيلاتها في ألمانيا والدول الإسكندنافية حيث وصلت موجات الهجرة الأولى في الأربعينيات عقب النكبة مباشرة وتلتها هجرات متعاقبة كان آخرها عقب حرب الخليج الثانيةعندما إلتحق عدد كبير من سكان الخليج الميسورين نسبيا بأبنائهم المقيمين في بريطانيا.

الإتجاه العام هو تعليمي حيث حصل العديد من أبناء الجالية على شهادات عليا ويتبوؤن مراكز مرموقة خاصة في الجامعات والمستشفيات. كذلك هناك نجاحات على مستوى رجال الأعمال والذين يتركز نشاطهم داخل العاصمة لندن.

رغم نشاط الجالية النسبي إلا أن حجم المشاركة الفعلي في القضايا التي تهم الوطن الأم يبقى محدودا خاصة من طبقة معينة تحاول الإنفصال عن مجريات الأمور في فلسطين والإندماج بشكل أكبر داخل المجتمع البريطاني المتعدد الأعراق خاصة في المدن الرئيسية حيث يتركز وجود الجالية بشكل رئيسي.

يوجد أيضا عدد لا بأس به من طالبي اللجوء من الشباب والعائلات الذين لم ينظر في أمرهم بعد وهو ما يجعل وضعهم غير مستقر بشكل عام خاصة بعد صدور العديد من القوانين التي تقيد طلبات اللجوء.

فرنسا

يتشابه وضع الجالية في فرنسا بعمومياته مع وضعها في بريطانيا مع ملاحظة الفروقات التالية:
غياب أي تمثيل رسمي للفلسطينيين في فرنسا وإنعدام وجود المؤسسات حتى الأهلية مع ضعف واضح في التواصل وإندماج ملحوظ في المجتمع الفرنسي المبني على نظرية الإستيعاب والإندماج وهو ما كان له تأثير واضح على الجالية الفلسطينية صغيرة العدد هناك.

يعتمد حوالي 300 طالب فلسطيني دارس في الجامعات الفرنسية على دعم أسرهم من الخارج عكس الطلبة في ألمانيا الذين يعتمدون في الأساس على المساعدات الحكومية رغم قلة عددهم مقارنة بحجم الجالية هناك (حوالي 3000 طالب).

برغم التنوع والإمتداد الجغرافي للفلسطينيين في أوروبا في الدول المذكورة وغيرها التي تفتقر لأية إحصاءات أو دراسات رغم تواجد أعداد لا بأس بها من أبناء فلسطين فيها، يتضح أن الجاليات الفلسطينية في أوروبا تعيش حالة من التشرذم والتشتت وضياع البوصلة السياسية وفي بعض الأحيان ضعف الرابط مع الوطن الأم وكذلك التباين الكبير في نشاطاتها وإنجازاتها.
تعكس هذه الجاليات الصورة الأصلية للمجتمع الفلسطيني وكأنها مرآة تعكس طبقات وفئات وأفكار الشعب الفلسطيني ككل ففي هذه الجاليات المتعلم والثري والعاطل عن العمل والمفكر والثورجي والإنتهازي والناجح وغيرهم في نسيج غريب من الإيجابيات والسلبيات لكنها أيضا تختلف عن المجتمع الفلسطيني الأم بحكم وجودها في مجتمعات تختلف فكريا وإجتماعيا وثقافيا وفي بعض الأحيان مجتمعات عدائية ومتحيزة ضد حقوق الشعب الفلسطيني مما يضع تلك الجاليات في موقع المسؤولية ويفرض عليها إلتزامات وواجبات.


الجاليات الفلسطينية في امريكا اللاتينية
 |
طبقاً للإحصاءات الرسمية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ يعيش في أمريكيا اللاتينية مئات الآلاف من الفلسطينيين المنسيين؛ ولكن لا يوجد أرقام إحصائية دقيقة لعدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في القارة اللاتينية، ولا يعترف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بمعظم الفلسطينيين الذين يعيشون هناك بأنهم جزء من الشعب الفلسطيني. حالهم، تماما  كالأعداد الكبيرة من اللاجئين الفلسطينيين غير المدرجين في سجلات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" غير المعترف بهم. وبرغم عدم محالفة الحظ للكثير من الفلسطينيين فقد سعت مجتمعات أمريكيا اللاتينية إلى قبول عدد محدد فقط منهم. والسؤال هو: لماذا لا يعترف الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بمعظم أخواتنا وإخوتنا في أمريكيا اللاتينية كفلسطينيين؟
ربما يكون ذلك ليس ذنبهم؛ فخلال جولة خلال تشرين ثاني 2006، في أمريكيا اللاتينية قام بها وكيل وزارة سابق في السلطة الوطنية الفلسطينية؛ وأثناء زيارته لتشيلي، قال: "لا أريدكم إن تشعروا بالارتباك، انتم تشيليون (...) ويمكنكم أن تكونوا "سفراءنا الثقافيين". وهذه العبارة وحدها كفيلة بان تقود إلى نسيان الكثير جدا من الروايات الشخصية التي لا تحصى ولا تعد للناس الذين أجبروا على ترك مدنهم وقراهم بسبب التزامهم السياسي مع منظمة التحرير الفلسطينية.

تعرف المادة الخامسة من الميثاق الوطني الفلسطيني الفلسطينيين على أنهم: "العرب الوطنيين الذين أقاموا في فلسطين بصورة طبيعية حتى العام 1947، بغض النظر عما إذا كانوا قد تم تشريدهم منها، أو بقوا فيها، وأي شخص ولد  بعد ذلك التاريخ لأبوين فلسطينيين، سواء داخل فلسطين أو خارجها، هو أيضا فلسطيني".

ومع توقيع اتفاقيات أوسلو وتهميش مؤسسات الشتات الفلسطيني، وعملية الاستيعاب الطبيعية للأجيال الشابة خصوصا ممن يقيمون في الغرب، وفي ظل غياب سياسة واضحة لمنظمة التحرير الفلسطينية (لا تربوية، ولا ثقافية، ولا اجتماعية ... وبالطبع لا سياسية)، أبقي الفلسطينيون الذين يعيشون خارج العالم العربي بعيدين وخارج دوائر عملية صناعة القرار الفلسطيني وبعيدين عن الدينامية الخاصة بمنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية.

الفلسطينيون في أمريكا اللاتينية بعد 1948

تنحدر غالبية الفلسطينيين في أمريكا اللاتينية من موجات الهجرة قبل 1948، وتحديدا قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى. ولكن ثاني اكبر حركة هجرة من الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية لم تكن نتيجة فرض تأسيس دولة إسرائيل وتغيير الوضع الفلسطيني فقط. بل إن الأزمة الاقتصادية والاكتظاظ السكاني في المناطق العربية في فلسطين أدت إلى دفع مئات الفلسطينيين للهجرة  والانضمام إلى أقاربهم في أمريكا اللاتينية. وكان لمشاركة الشباب في العمل السياسي الفلسطيني، وفي اغلب الأحيان، التعرض للتعذيب ثم السجن، دور في دفعهم خارج الوطن، وكذلك نتيجة لقرارات الإبعاد المتخذة من قبل السلطات الأردنية التي كانت تحكم الضفة الغربية بين عامي 1949-1967.

ومنذ عام 1948 وحتى أوائل السبعينات كانت الهجرة الفلسطينية إلى أمريكا اللاتينية تتجه أساسا إلى  دول محددة مثل تشيلى وبيرو هندوراس والسلفادور (من منطقة بيت لحم) ، والبرازيل وفنزويلا (رام الله والقدس). وكان بعض هؤلاء الذين هاجروا خلال سنوات الخمسينات من بين لاجئي العام 1948.                                                                         

ونظرا للنقص في الأبحاث، يكاد يكون من المستحيل تحديد عدد رسمي للاجئين الفلسطينيين في أمريكا اللاتينية. ويمكن القول ، مثلا ، أن اللاجئين الفلسطينيين يشكلون 60٪ من الجالية الفلسطينية في البرازيل، ومعظمهم من منطقة اللد ، في حين أن عدد الفلسطينيين في اكبر بلد في أمريكا اللاتينية يقدر ما بين 15,000 و 60,000 شخصا وفقا لبعض المتفائلين.

والواقع انه لا يوجد احد يتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين الوافدين إلى أمريكا اللاتينية بعد النكبة، فقد كان على اللاجئين الفلسطينيين أن يبقوا في مخيمات لفترة ما إلى أن  قبل بعضهم  في النهاية عروض للهجرة قدمت من دول مثل البرازيل (البلدان التي كانت تشجع الهجرة الخارجية خلال الخمسينات) وتشيلي حيث الرخاء الذي تمتعت به الجالية الفلسطينية ومكانتها المرموقة في المجتمع التشيلي بما ذلك تأثيرها في الحكومة.

يقال أن العدد الكلي للفلسطينيين في أمريكا اللاتينية يتراوح ما بين بضعة آلاف حسب تعداد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ويصل إلى 600,000 حسبما يقدر باحثون مستقلون.

بالنسبة لمن يميلون إلى الأرقام الكبيرة لتعداد الفلسطينيين في أمريكيا اللاتينية؛ فإنهم يقدرون وجود حوالي 300,000 فلسطيني في تشيلي، 100.000 في هندوراس، 100.000 في السلفادور، و 60,000  في البرازيل.  والبقية في معظمها تتوزع بين بيرو وكولومبيا وفنزويلا وإكوادور والأرجنتين والمكسيك وبليز. وفي كل دول أمريكا اللاتينية الأخرى تقريبا.

مرة ثانية فإن نقص المعلومات يحول دون التوصل إلى تحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين من عام 1948 (مع فصل هؤلاء عن بقية الجاليات الفلسطينية). ولكن يمكننا أن نتحدث عن بعض الحالات التي تعكس حالة بعض الأسر الفلسطينية التي أجبرت على مغادرة ديارهم الأصلية في الوطن.

حالة محمد: "لقد غادرنا بدون أن نعرف إلى أين نذهب، وفي اليوم التالي كنا في مخيم للاجئين بالقرب من رام الله (مخيم الجلزون)... بعد فترة وجيزة، توجهنا إلى البرازيل".

عائلة محمد كانت تعيش في بيت نبالا، الذي يقع على أراضيها الآن مطار بن غوريون الدولي. وبعد سنوات قليلة فقط من نفيه عن بلدته الأصلية، وفقط عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، تم منحه نفس الحريات التي يتمتع بها المواطن البرازيلي، من اجل أن يبدأ حياة جديدة في واحدة من دول العالم الثالث الصاعدة. وكبرازيلي هو وأبناؤه لديهم حقوق كاملة في البلد الذي هاجر إليه وتبناه. ولكن الحق الوحيد الذي لا يستطيع ممارسته هو حقه في استعادة أرضه التي صودرت من أفراد أسرته وفقا لقانون حارس أملاك الغائبين.

قصة مشابهة أخرى هي حالة فؤاد، الذي غادر فلسطين مع عائلته عام 1965 بعد أن فقدوا بيتهم والأرض المحيطة به على الطريق بين بيت لحم والقدس. وحتى اليوم لا يملك جواز سفر عدا عن بطاقة الأنروا؛ ولا يملك جواز سفر تشيلي بسبب نقص المعلومات عن أصله، وأيضا لا يملك جواز سفر فلسطيني؛ لأنه لا يعتبر "مقيما في المناطق" وفقا لاتفاقيات أوسلو.

وقد عمل فؤاد من أجل القضية الفلسطينية، واضعا عمله ودراسته جانبا، ومعروف حاليا كأحد أهم الدعاة الأساسيين للقضية الفلسطينية في تشيلي؛ إلا أنه لا زال ينتظر الفرصة للعودة إلى وطنه بعد أكثر من أربعين عاما من الغياب.

المنظمات الفلسطينية:

لقد ساهمت الخصائص الاجتماعية للجالياتِ الفلسطينيّةِ في أمريكا اللاتينية في تأخير تدخّلَهم في القضيّةِ الفلسطينيّةِ بالمقارنة مع بقيّة الفلسطينيين حول العالمِ؛  وفقط،  في أواخر الستّينياتِ  ظهر نوع من العمل السياسي  الفلسطيني  المنظم وليس فقط العربي.

وكانت المجموعة السياسية الفلسطينيّة الأولى القادرة على  تشكيل خلايا تنظيمية في أمريكا اللاتينية هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحت قيادة جورج حبش. وقد ساعد في ذلك انتشار الأفكار والحركات الاشتراكية الماركسية في أمريكا اللاتينية آنذاك، على امتداد الجبهة في الأوساط الفلسطينية هناك.

كما ان الاتصالات بين وديع حداد (قائد الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وبين عدد من الحركات الثورية في أمريكا اللاتينية ( ومن ضمنهم الحركة التشيلية MIR،  وتوباماروس في  البيرو ، ومنتناروس في الأرجنتين، والثوريين الكوبيين وكذلك الثوري العالمي الشهير ارنستو "تشي" غيفارا)؛ على عملية الامتداد.  وبهذا أصبحت الطريق ممهدة لمنظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها للانتشار في أمريكا اللاتينية. وهكذا كان للثورة الفلسطينيّة فضلُها الخاصُ أيضاً في أمريكا اللاتينية حيث نشطت من خلال المنظمات مثل الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيّينِ،  اللجان الشعبية النسوية، فرق الدبكة الشعبية الفلسطينية. كما فتحت مراكز ثقافية فلسطينيّة في دول أمريكا اللاتينية، مثل تشيلي، البيرو، البرازيل، الأرجنتين، كولومبيا، بَنما والسلفادور.

وكان لنشاط منظمة التحرير الفلسطينيةَ المتزايدَ في أمريكا اللاتينية دور في إعطاء الفرصة للعديد مِنْ اللاجئين الفلسطينيّينِ الذين شاركوا في عمل الأحزاب السياسية والمقيمين في أمريكا اللاتينية. ولان معظم هؤلاء كَانوا يتحدثون الاسبانية بطلاقة بسبب دراستهم في كوبا (وبعضهم درس في إسبانيا)، وكانَت لديهم خلفية سياسية واسعة حول كل القضايا تقريباً؛ بما فيها حرب لبنان فقد افادوا الحركة الوطنية الفلسطينية في عملية الامتداد. كما كان لذلك النشاط دور في تحسين حياة اللاجئين الجدد الوافدين إلى أمريكا اللاتينية من الدول العربية، وخصوصا بعد الحرب على لبنان.

في هذه الأثناء، لا زال وضع اللاجئين الفلسطينيّينِ في أمريكا اللاتينية على حاله؛ فكُلّ دول المنطقة تقريبا أعطت الجنسيةَ للاجئين الوافدين إليها؛ وبالتالي، من الصعب في الوقت الحاضر، وضع تقدير محدد لعدد اللاجئين الفلسطينيّينِ ولأعداد الجالياتِ الفلسطينيّةِ في أمريكا اللاتينية.

أوسلو والجاليات الفلسطينيّة

توقف نشاط منظمة التحرير الفلسطينية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو؛ وأصبح هناك انقسام واضح بين المركز والشتات، إضافة إلى تهميش العمل السياسي في الخارج، وإبقاء الصلات بين الداخل والخارج في المجال الاقتصادي بشكل رئيسي. وبالنسبة للجاليات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية؛ مثلت اتفاقيات أوسلو نهاية 30 عاما من الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي من العمل في، وإلى جانب، منظمة التحرير الفلسطينية. وقد أجبر المشهد السياسي الجديد العديد من النشطاء على ترك العمل السياسي والاجتماعي الفلسطيني؛ بينما  ما يسمى بـ "عملية السلام" أعطت  الانطباع بأن الأشياء كانت في طريقها للتغيير، وأن "الدور القديم" للحركات الجماهيرية يجب أن يستبدل بنوع آخر من المبادرات، بعيدا عن ساحة العمل السياسي.

كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى ضياع جيل كامل، الأمر الذي اتضح فقط  من مواقف ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، وممثلي وزارة خارجية السلطة الوطنية الفلسطينية في بداية الانتفاضة الثانية.

ومع تغير الاتجاهات السياسية، وضعف منظمة التحرير الفلسطينية، وغياب أي نوع من الإستراتيجية أو السياسة الواضحة بشان الشتات الفلسطيني؛  سواء من رام الله أو من تونس؛ ادركت الجاليات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية واجبها القاضي بضرورة النهوض، وإن ببطء، وأن تعيد تنظيم نفسها؛ بما في ذلك تنشيط المجموعات الشبابية والثقافية.

بالتأكيد، أضعفت أوسلو الجاليات الفلسطينية في الشتات، حيث غيرت مكانة اللاجئين الفلسطينيين، وإن لم يكن في وضعهم القانوني، لكن في اضعف مستوى اهتمام م.ت.ف بهم. وفي عشية المشهد السياسي الجديد الذي يتسم بـ "لا يوجد سياسة" لمنظمة التحرير الفلسطينية تجاه الجاليات الفلسطينية في المنفى، وكذلك عدم وجود نظام تعليمي فلسطيني في الشتات؛ فهذان عاملان قد يشكلان خطرا على مستقبل الفلسطينيين في المنطقة. ولذلك؛ على منظمة التحرير الفلسطينية أن تستثمر في مجال البحث الرسمي لمعرفة عدد  الفلسطينيين في الشتات،  وان تستقرأ رغبات وأماني الجاليات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وكندا واستراليا وأوروبا.

وإذا ما كنا نتجه نحو اعتبارنا "سفراء ثقافيين"؛  فإن فلسطين وقضيتها ستخسر الآلاف من المهنيين والأكاديميين، الفنانين والرياضيين، ورجال الأعمال والطلاب الذين  يرغبون أن يكونوا فاعلين في العملية السياسية؛ التي يجب أن تقود الشعب الفلسطيني إلى ممارسة حقه في  تقرير مصيره، وإلى  ممارسة حقه في العودة إلى أرض وطنه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق