السبت، 6 أبريل 2013

في فهم الزفة 'الأمريكاني' لباسم يوسف!
سليم عزوز
2013-04-05

 
لم يبق إلا أن يتحرك الأسطول السادس الأمريكي ليقوم بضرب مصر، وأسر الرئيس محمد مرسي، بسبب استدعاء النائب العام المصري، للمذيع الساخر باسم يوسف!
فلم يكد النائب العام يصدر قراره بضبط وإحضار المذكور بتهمة اهانة الرئيس، حتى تكهرب الجو في البيت الأبيض، وخرجت البنت وأمها كناية عن الاحتشاد، وزمجرت الخارجية الأمريكية وهي تهتف: هي الحرب إذن، وظننت والحال كذلك أن القوم في طريقهم لمجلس الأمن للحصول على قرار بغزو مصر، وحماية باسم، وقد تصرفت سفارة القوم بالقاهرة، بمنطق النشطاء السياسيين، وأذاعت عبر صفحتها على 'تويتر'، ما اعتبرته السلطات المصرية خروجاً على القواعد الدبلوماسية، حتى ظننا أن السفيرة الناشطة آن باترسون ستتحرك على رأس وفد من النشطاء العاملين بالسفارة الأمريكية إلى المقطم، حيث المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، لتهتف ويردد الوفد المرافق خلفها: 'يسقط .. يسقط.. حكم المرشد'.
أهل الحكم في المحروسة استهجنوا ما قامت به السفارة على صفحتها، وجرى تذكير آن باترسون بأنها سفيرة وليست ناشطة، وعليه فقط حذفت مشاغبتها السياسية والتي تمثلت في إعادة بث حلقة المذيع الأمريكي الساخر جون ستيورات، صاحب برنامج 'دايلي شو'، التي خصصها للدفاع عن باسم!.
وعلى الرغم من هذا الحذف فإن الموقف الأمريكي الصلب الذي تحرك محتجاً على قرار النائب العام باستدعاء باسم يوسف للتحقيق معه، ظل كما هو صامداً، وقالت الخارجية الأمريكية رأساً إن هذا الاستدعاء يؤكد أن الحريات الإعلامية في مصر باتت في خطر.
لدي أكثر من سبب يؤكد أن الحريات الإعلامية في بلادنا في خطر، لكني لا أرى في مثل هذا الاستدعاء ما يمثل الخطر الداهم، إلا في الجانب الخاص بطلب الضبط والإحضار، والذي يستدعي جلب المتهم للنيابة ولو باستخدام القوة، في حين أنه كان يكفي أن تصدر النيابة العامة طلب حضور وفقط!.
طلب الاستدعاء للتحقيق أمام النيابة العامة هو تصرف روتيني يحدث كثيراً للإعلاميين، لكن بدون هذه الضجة التي بدت لي إعلان حرب، وقد ذكرتني بواقعة سابقة، قبل الثورة، عندما تم استدعاء أربعة من رؤساء تحرير الصحف للتحقيق، فتم تنظيم مظاهرات احتفالية لهم، وتم التأريخ للجور على حرية الصحافة بهذا الطلب، وربما قالت كونداليزا رايس أنها تشعر بالقلق، لا أتذكر فالزخم كان داخلياً، مع أن أكثر من خمسة صحافيين كانوا قد دخلوا السجن في قضايا نشر، ولم يهتم بحالتهم أحد، ربما لأنهم كانوا يمارسون المعارضة الجادة ضد نظام مبارك، وربما لأن صحيفتهم كان لها موقف معاد للهيمنة الأمريكية على المنطقة، والمنظمات الحقوقية التي نصبت الزفة لاستدعاء رؤساء التحرير للتحقيق تتلقى تمويلاً غير منكور من واشنطن، ولهذا فلم نسمع لها نفساً احتجاجاً على التدمير الأمريكي للعراق، أو على الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان هناك.
لا بأس، فالولايات المتحدة الأمريكية تتقرب للشعب المصري بالنوافل، وتقوم بتبيض وجهها بعد أن استقر في وجدان الجميع أنها الراعي الرسمي للاستبداد في المنطقة، وفي زمن مبارك كانت الانتهاكات تتولى، فلا نسمع للقوم صوتاً، وعندما يحدث فلا يزيد عن ثلاث كلمات: 'نحن نشعر بالقلق'، حتى ظننت أن القاموس الأمريكي يعاني من شح مطاع في المفردات اللغوية، لكن واقعة باسم يوسف أكدت أن الاحتشام في التعامل حدث عندما كان الطرف المنتهك للحريات هو كنز إسرائيل الاستراتيجي.
وعلى ذكر المخلوع، فان باسم يوسف متهم باهانة الرئيس، وهي تهمة منصوص عليها في القانون، ومن التهم التي نص المشرع على جواز الحبس الاحتياطي لمرتكبها، وقد خاض الصحافيون المصريون نضالاً عظيماً ضد الحبس الاحتياطي في جرائم النشر، لأنهم لم يكونوا يأمنون مكر النيابة العامة صاحبة القرار في هذا النوع من الحبس، فولاؤها للسلطة لم يكن محل شك، وفي لقاء لمجلس نقابة الصحافيين مع المخلوع وافق على إلغاء الحبس الاحتياطي إلا في الاتهام باهانة الرئيس وقال لهم: 'هل تريدون أن تشتمونني'؟!.. فأغرقهم في بحور الخجل: العفو يارس!.
لكن تظل تهمة اهانة الرئيس فضفاضة، وعندما نشر أن مبارك مريض اعتبر هذا اهانة لمقام الرئاسة، باعتبار أن الأصل في الرؤساء العرب أنهم لا يمرضون، ولا يموتون، ولا يجري عليهم ما يجري على عموم البشر.
وبدون اجتهاد عميق في تفسير معنى الاهانة، فان باسم يهين الرئيس أسبوعياً، إهانات بالغة لا تقبل التأويل، لكننا لم نقم بثورة لتظل ذات الحاكم مصونة لا تمس، ومهما يكن فيظل الاحتشاد الأمريكي، وهذه الزفة الأمريكية لبسام يوسف، التي انتقلت بسببها آن باترسون من سفيرة إلى ناشطة، أمراً غريباً بالنسبة لي.. لعل الامر جديد على، وبالعشرة مع سكان البيت الأبيض حتماً سنفهم خريطة الطريق.
وقديماً قال ابن أبيه: يا حلو قل لطبعك وأنا أمشي عليه.
مقدم البلاغ
دعك من كل ما سبق وسلم معي بأن باسم يوسف صاحب برنامج 'البرنامج' على قناة 'سي بي سي' لصاحبها محمد الأمين، والله تعالى أعلى وأعلم، محظوظ، وقديماً قال ابن أبيه: 'قيراط حظ ولا فدان شطارة'، وباسم جمع بين الحسنيين: الحظ والشطارة!.
فقد أصيب المعجبون به بخيبة أمل فيه، تجلت بعد حلقته قبل الأخيرة، والتي جاءت بعد هجوم كاسح من مرتضى منصور المحامي ضده، وظن كثيرون أنه في هذه الحلقة سيجعل من منصور 'فرجة'، ومن لم يشتر يتفرج، لكنه سكت على كل الإساءة التي لحقته، وخصص حلقته كما هي العادة في السخرية من الرئيس محمد مرسي!.
لا أعرف ملابسات خصومته مع مرتضى منصور، ولا أعرف مناسبة تحدي مرتضى لصاحبنا أن يذكر اسمه، أو حتى يذكر الحرف الأول منه، وقد قبل باسم يوسف التحدي، وفعلها بشكل ساخر أضحك المحتشدين أمامه، وبقية القصة معروفة!.
بين الوصلات الإعلانية الطويلة إلى حد الملل، كنت أغادر إلى صفحتي على 'الفيس بوك'، فأشاهد تعليقات كاشفة لخيبة الأمل، حتى إذا انتهت الحلقة، إذ بالبراكين تتفجر، وقد شاركت فيها اللجان الالكترونية لجماعة الإخوان بنصيب الأسد، والتي تذكرنا باللجان الالكترونية التي دشنها خالد الذكر احمد عز، لتقوم بتشويه خصوم حكم مبارك، قبل أن يسقط عز بلجانه ورئيسه!.
ولم يكونوا سواء، فالمشاهد المحب، فسر هذا الصمت بأنه إيثار من باسم للسلامة، ولأنه محب، فقد ظن أن باسم شجاع شجاعة منقطعة النظير، يكفي أنه يسخر من الرئيس بحدة، واللجان وجدتها فرصة للتأكيد على أن هجوم باسم على الرئيس مرسي ليس كاشفاً عن شجاعة بقدر ما هو استغلال لسماحة الرئيس، وهذا هو الدليل الذي يتمثل في الإعراض عن مرتضى منصور بعد أن أراه العين الحمراء.
كان متوقعاً لباسم يوسف أن يفقد كثيراً من أنصاره بعد هذه الحلقة، لكن لأنه محظوظ و'رزقه في رجليه' فقد جاء قرار النيابة العامة بضبطه وإحضاره، رمية بغير رام، لينسى الناس الموقف الذي تشكل بسبب تجاهله لمنصور، فقد غطى الزيت على الفول!.
كتبت عن ظاهرة باسم يوسف، بعين الرضا التي هي عن العيوب كليلة، وعلى نحو دفع كاتب إسلامي أن يكتب منتقداً المتيمين بباسم، باعتباري نموذجاً، ومع هذا لا أستطيع أن أنكر ان بعض حلقاته لم تكن على المستوى المطلوب، والتي يقوم بحشوها بفقرات لمطربين من 'الفرز الثالث'، وكان هذا تعبيرا عن إفلاس، بعد تحول برنامجه إلى الموضوع الواحد فالشخص الوحيد الذي يمثل محوراً وقاسماً مشتركاً هو الرئيس، وتصالح مع من كانوا عرضة لسهامه فيما سبق، من مقدمي البرامج، وقد جاءوا لمشاهدة برنامجه على قاعدة: 'من جاء لك جاب الحق عليك'، وقد بدا باسم سعيداً حد الفخر لتشريفهم له!.
النعجة دولي
لقد شاهدنا حلقات ضعيفة وغير متوقعة من برنامج 'البرنامج'، وهو أمر لو استمر لكنا أمام حالة شبيهة بحالة النعجة المستنسخة دولي، التي رأيناها بعد سنة من استنساخها، عجوزاً لا تقوى على شيء!
ولم يخف على أحد أن الأمر كله مستنسخ من برنامج المذيع الأمريكي الساخر جون ستيورات' وقد وصف جون، باسم يوسف، بأنه 'جون ستيورات المصري'، وربما أعجبته فكرة أن يكون هناك من يقلده، فأخذته الجلالة ووجه حديثه لمرسي قائلاً: 'لولا باسم ما كنت في منصبك الآن'، وهو قول شبيه بقول لميس الحديدي: 'ثورتنا التي صنعناها بدمنا'، مع أن دم لميس لو كان قد أريق، وهي أدرى بدمها، فقد أريق في ساحة أخرى، باعتبارها مسئولة الدعاية عن حملة الانتخابات الرئاسية للمخلوع.
ما علينا، فقد جاء قرار الضبط والإحضار ليمثل قفزة على الحلقات والفقرات الضعيفة، ويمثل حقنة منشطة للبرنامج ومقدمه، ولا يخفى أن ذهابه إلى النيابة بالشكل الذي ذهب به، ودفعه للكفالة جنيهات فضية، أصبح حديث الناس، ليس في مصر فقط ولكن في العالم كله.
لا أعرف من تقدم ببلاغ للنيابة يتهم فيه باسم يوسف باهانة الرئيس محمد مرسي، لكن الظاهر من الأوراق أنه ليس هو الرئيس، وقد يكون واحداً من آحاد الناس، وقد لا يكون عضواً في جماعة الإخوان، والدليل أن وزير الإعلام الإخواني صلاح عبد المقصود أعلن انحيازه لباسم في قضيته، كما أن محامياً من هيئة الدفاع بالإخوان ذهب للنيابة متضامناً مع باسم الذي رفض تضامنه، ربما لكي لا يتم إفساد الزفة القائمة على أن الرئيس هو من قاضى باسم، واتهمه باهانته، وأن الرئيس هو من اصدر قرار الضبط والإحضار وليس النيابة، ليصبح منطقاً أن يقول 'جون' لمرسي: لولا باسم لما كنت في منصبك'.. ولولا ان بيننا وبين 'جون' بحوراً وجبالاً لسألناه كيف هذا يا 'جون'!
ومهما يكن، فقد أثبت الأيام أن باسم ليس فقط شاطراً لكنه محظوظ أيضاً..وعليه أن يشكر مقدم البلاغ، وهو ليس الرئيس محمد مرسي، هذا للعلم والتنويه.

صحافي من مصر
azouz1966@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق