الخميس، 28 مارس 2013


رحل المناضل هوغوشافيز

وقف في وجه الظلم وتحدى أكبر دولة في العالم.. 


 
هل كان موته طبيعياً أم أنه اغتيل

أحبه شعبه وبالتالي فنزويلا ستواصل نهجه

محاولات أميركية لحرف فنزويلا عن خطها
الوطني ولكن الشعب لها بالمرصاد


تحدى أكبر دولة في العالم، كان يتحلى بالشجاعة والجرأة والأخلاق الرفيعة، كان مؤمناً بالله يرفض الركوع أو الخنوع لأحد إلا أنه استسلم للموت، وهو إرادة الله، وتقبله ومات وهو شامخ رافع الرأس.
هذا هو هوغو شافيز، رئيس فنزويلا على مدى 14 عاماً، لم يتردد في اتخاذ القرارات المصيرية الصعبة لمصلحة شعبه، وأمم حقول النفط في فنزويلا، وناصر الفقراء والمعوزين، وجعل من فنزويلا، الدولة المهمشة إلى دولة قوية لها نفوذها وتأثيرها على العالم.
اتهموه بالاستبداد، ونعتوه بالطاغية، وقالوا عنه ما يطيب لهم، إلا أنه أثبت عكس كل ما اتهموه به، وأكد لهم أنه زعيم قومي مناصر وداعم للقضايا المظلومة بسبب سياسة اميركا في العالم.. فهو نصير وناصر ونصير القضية الفلسطينية. وهو ضد المؤامرة الكونية التي تشن على سورية منذ عامين، وهو صديق وفي لايران ويدافع عن حقها الشرعي في الحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية. يدافع عن المظلوم، ولا يتردد في شن هجوم على الظالم مهما كانت قوة تأثيره في العالم، وكان جمال عبد الناصر المثال الذي احتذى به لأنه جاء من عائلة فقيرة من قطاع الفلاحين مثل شافيز ليقود البلاد إلى الاستقلال من العبودية، والتخلص من الهيمنة الاميركية الامبريالية الصهيونية على العالم!

لماذا أحّبه شعبه
لقد أحّبه شعبه كثيراً، وقد انتخب رئيساً لأول مرة عام 1998، بنسبة 56 بالمائة من الاصوات. وما ان تسلم مقاليد الرئاسة حتى بدأ باجراءاته الوطنية لتعزيز فنزويلا ومحاربة الفقر فيها. وفي العام 2002 حاولت الولايات المتحدة بالتعاون مع بعض من أصدقائها وحلفائها والتابعين لها في اقامة انقلاب ضد شافيز، إلا أنه صمد، واسقط وافشل المؤامرة لأن الشعب وقف إلى جانبه، حتى أن هذا الشعب أيد خطواته في وضع دستور جديد لفنزويلا.
أحّبه شعبه لأنه كان رئيساً عادياً يتحدث إلى شعبه كل أسبوع، وكانت كلماته مزيجاً من الجدية والغناء، وكان يعمل على بث روح البسمة والفرح في قلوب أبناء شعبه، وكان يزور المطاعم، والقاعات، ويتجول في كل مكان، وكان هدفه أن يكون محبوباً من قبل هذا الشعب. وبالفعل، بقي هذا الشعب وفياً له، وصوت له في انتخابات رئاسية ثلاث، وكان يحصل على أكثر من 50 بالمائة من الأصوات.
ويكفي شافيز أنه كان ضد الظلم، وضد الظالمين وكان يقول ما يؤمن به، ولا يخاف من تبعات أقواله فأحبه شعبه إلى أبعد الحدود، حتى أن مئات الآلاف ساروا في مسيرات حزن في كل المدن بعد لحظات من اعلان رحيل شافيز إلى العالم الآخر.

اليساري الوحيد في العالم
لقد واجهت القوى اليسارية في العالم ضربات عدة، حتى أنها أصبحت في خبر كان، إلا أن شافيز أعاد لليسار هيبته ووجوده، وخاصة في فنزويلا، متمسكاً بمبادئه ومواقفه، رافضاً تغييرها، متحملاً تبعات نتائجها، والمخاطر التي تنتج عنها.. كان يسارياً في الوقت الذي غابت اليسارية عن العالم، واندثرت أو تلاشت بعد هيمنة قطب دولي واحد على العالم.
شافيز لم يخف من هذه القوة العظمى، وتحداها ووقف في وجهها منتقداً سياساتها الخارجية، واستخدامها لسياسة المكيالين، ووقوفها إلى جانب اسرائيل.

تأثيره على اميركا اللاتينية
مواقفه الشجاعة وأقواله الصريحة، وتضحياته لشعبه ساهمت كلها في أن تتحرر دول اميركا اللاتينية من "عبودية" كانت مفروضة عليها، وحصلت على استقلالها من جديد، وشجع الشعوب في هذه القارة على انتخاب من يريدون من الرؤساء والقادة بعيداً عن النفوذ الاميركي، وبعيداً عن تأثيرات وأوامر الولايات المتحدة. فقد استطاع شافيز أن يوقف تدخل اميركا في العديد من الدول، ويضع حداً في سيطرتها على الموارد الطبيعية، ووقف إلى جانب القارة الاميركية، وعمل على توحيد صفوفها حتى تكون لها النفوذ الخاصة بها على الساحة الدولية، ولتكون مستقلة ولها مواقفها الخاصة المستقلة استقلالاً تاماً.
كانت اميركا في السابق تعمل على الاطاحة بهذا الزعيم أو ذاك، وكانت ترسل قوات للقيام بذلك، لكن شافيز وضع حداً لذلك، عندما أفشل الانقلاب العسكري الذي خططت له ومولته الولايات المتحدة عام 2002. وفشل الانقلاب لأن الشعب التف حول قيادته متمسكاً بالاستقلال، ورافضاً تدخل اميركا في شؤونه، وفرض الاستعمار على موارده، وخاصة النفط.
رؤساء اميركا اللاتينية يحبّون شافيز ويحترمونه لأنه وحد صفوفهم، وعقد أكثر من  لقاء قمة لصالح القارة اللاتينية، ولرفع شأن شعوب هذه القارة.
وهذه السياسة الواضحة لشافيز في تشجيع القارة الاميركية على الاعتماد على ذاتها، والتخلي عن اميركا، أثار غضب الادارة الاميركية، وحاولت الادارات السابقة التخلص منه، لكنها لم تنجح وبقي صامداً إلى أن أصيب بمرض عضال قاومه لسنة ونصف، لكن، شاء القدر أن يرحل شافيز جسداً، ولكنه ما زال حيّاً فكراً ومنهجاً وسياسة ومواقف.. وهذا ما قاله نائبه نيكولاس مادورو في تأبين رفيقه ورئيسه شافيز: سنواصل المشوار، وسنبقى على العهد، وشافيز سيبقى خالداً، حتى أنه تقرر تحنيط جسده حتى يبقى مسجى في موقع يستطيع زيارته والقاء النظر عليه أبناء شعبه الذين أحبوه وكانوا أوفياء له كما كان هو وفياً لهم.

نفوذه في العالم
كانت له نفوذ قوية في العالم عبر صداقاته وعلاقاته الوطيدة، ولم يتردد في زيارة دول العالم العربي، وكان الرئيس القذافي صديقاً له، وعندما قتل اعتبره شهيداً لأنه عارض التدخل في ليبيا، وانتقد التدخل الامبريالي في مصير ليبيا، وتدميرها. ناصر ايران إلى حد كبير، ووقف إلى جانبها، وناصر القضية الفلسطينية، واعتبر "اسرائيل" دولة مجرمة عنصرية. وقام بطرد السفير الاسرائيلي من كراكاس اثر العدوان الاسرائيلي على القطاع أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009.
صديق مخلص لكل قوى التحرر في العالم، وهو نصير أيضاً للمقاومات المشروعة ضد الاحتلال. وكان على علاقة قوية مع كل قوى التحرر في العالم، لأنه ضد الظلم، وضد الاحتلال. ولانه كان محبوباً عالمياً فقد شارك في تشييع جثمانه الرسمي أكثر من 30 رئيس دولة في العالم، اضافة الى مندوبين عن بقية رؤساء وقادة العالم، وقد نعته كل الدول والقادة والأحزاب معتبرين رحيله خسارة لكل العالم، وليس لفنزويلا وحدها، حتى أن مجلس الأمن وقف دقيقة صمت تكريماً واحتراماً لهذا القائد الذي كان جباراً وعظيماً في اقواله ومواقفه وممارساته وأفعاله.

لماذا غاب القادة العرب
لم يشارك أي رئيس عربي في حفل تشييع جثمان شافيز رغم أنه كان نصيراً أو مناصراً وناصراً لكل القضايا العربية، وسنداً للقضية الفلسطينية، وهذا الغياب للقادة العرب أثار سلسلة من التساؤلات عن سبب الغياب الملحوظ. والاجابة واضحة المعالم وهي أن القادة العرب جميعاً ما عدا دول الممانعة والمقاومة وخاصة سورية وحزب الله، لا يريدون أن يغضبوا اميركا لأنها "تكره" شافيز، وتعتبره خصماً لا بل عدوا لدوداً لها، وبالتالي لم تكن لدى القادة العرب الجرأة في اتخاذ القرار المستقل حتى في حضور "جنازة" أو حفل تشييع، فأرسلوا مندوبين عنهم. وهذا بالطبع قد يؤثر على العلاقات الفنزويلية مع هؤلاء القادة خاصة إذا فاز نائب شافيز نيكولاس مادورو بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في 14 نيسان القادم.
غياب القادة العرب عن مراسم تشييع جثمان شافيز أكد ولاءهم للادارة الاميركية، وعدم الخروج عن طاعتها. ولولا المؤامرة على سورية، لكان الرئيس الأسد في طليعة الحاضرين، ولولا الاجراءات الأمنية المحيطة بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لكان في طليعة المشاركين، ولكن الأكثر غرابة أن قادة الفصائل الفلسطينية لم يشاركوا في مراسم تشييع شافيز مع أنهم جميعاً أصدروا بيانات نعوا فيها هذا القائد، وارسلوا برقيات التعزية للقيادة والشعب الفنزويلي!

هل اغتيل شافيز
هل تقف اميركا وراء اغتيال وتصفية شافيز؟ وكيف تم ذلك؟ الرئيس الكوبي حذر شافيز مراراً، وناشده بضرورة توخي الحذر الشديد، والا يتغافل عن احتمال حقن أي شيء عبر الابرة الصغيرة، بعض الصحف الروسية أشارت إلى امكانية أن تكون وفاة شافيز اغتيالاً بعد أن حقن وهو لا يدري بمادة أصابت حوضه بالسرطان.
من الصعب اثبات ذلك، ولكن الاحتمال وارد، فالرئيس عرفات اغتيل أيضاً عبر مادة سامة، ولم تظهر النتائج أو الجهات التي نفذت العملية. فاميركا تستخدم أسلوب تصفية من يعاديها بصورة هادئة، ومن دون التورط بذلك. وها هي تدعو الشعب الفنزويلي للعودة إلى "الديمقراطية" وكأن شافيز جاء إلى سدة الحكم بانقلاب وليس عبر صناديق الاقتراع. اميركا مسرورة لرحيل أحد خصومها الأقوياء، ولذلك فستعمل على دعم المعارضة كي تفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها أواسط شهر نيسان القادم.

فنزويلا ما بعد شافيز
من يحدد مصير فنزويلا بعد رحيل شافيز هو الشعب الفنزويلي مع أن لبعض الدول تأثيرات وأدوار أحياناً سلبية تحاول أن تدير "القرص" باتجاهها.. ونظراً لشعبية شافيز، فإن الشعب سيختار نائبه مادورو كي يواصل نفس نهج شافيز.. ولكن التساؤلات العديدة المتوفرة والمطروحة هي:-
هل ستفوز المعارضة عبر دعم اميركي غير مسبوق لها، وبالتالي تنتهج فنزويلا سياسة الولاء والتبعية لاميركا؟
ومن يضمن أن يسير مادورو على نهج شافيز إذا فاز بمنصب الرئاسة، ولم ينحرف عن هذا النهج أمام مغريات عديدة.
لا نستطيع التأكيد على هذا الوضع أو ذاك، ولكن يمكن القول أن شعبية شافيز ستؤدي إلى انتخاب مادورو، وهذا بالتالي سيشجع اميركا على التدخل أكثر وأكثر من أجل "القضاء" على هذا النظام، أي تصعيد عدائها لفنزويلا. ولا أحد يضمن ألا تلجأ اميركا كما فعلت في العام 2002 بمحاولة الانقلاب على مادورو في حالة فوزه بمنصب الرئاسة، اي أن مرحلة عدم استقرار سياسي قد تشهدها فنزويلا لعدة شهور، ولكن الشعب هو الذي سيحسم الأمور في النهاية، ولا بدّ أنه سيواصل دعم نهج شافيز، النهج الذي يوفر لفنزويلا استقلالاً كاملاً، ونفوذا كبيراً على الساحة الدولية، ويمنع أي تدخل أجنبي في شؤون البلاد.

المناضل والزعيم الثوري
هوغو شافيز في سطور
·        ولد عام 1954 لأبوين معلمين بولاية باريناس جنوب غرب فنزويلا، وهو أب لأربعة أبناء.
·        التحق بالقوات الفنزويلا، وعام 1992 نفذ انقلاباً فاشلاً ضد الرئيس كارلوس اندريس بيريز الذي القى به في السجن سنتين الأمر الذي جعله يحظى بشعبية كبيرة.
·        بعد ست سنوات، أي عام 1998 قاد تحالف أحزاب يسارية للفوز بالانتخابات الرئاسية بـ 56 بالمائة من الاصوات، وفاز هذا المظلي السابق في كل الانتخابات التي شارك فيها رغم اتهام معارضيه له بالتسلط.
·        أصيب بمرض السرطان في حزيران 2011. ورفض أن يعالج إلا في كوبا.
·        18 شباط 2013 عاد الى المستشفى العسكري في كراكاس وهو في اللحظات الأخيرة من عمره إذ فارق الحياة يوم الثلاثاء 5 آذار 2013. وشيع جثمانه إلى مثواه الأخير بمراسم شعبية ورسمية يوم الجمعة الموافق 8 آذار 2013 بحضور حوالي 30 زعيماً من قادة العالم، وفي مقدمتهم رؤساء اميركا اللاتينية.
·        فاز في الانتخابات التي جرت في تشرين الاول المنصرم إلا أنه لم يؤدِ القسم لتولي الرئاسة بسبب مرضه.
·        نيكولاس مادورو نائبه أعلن عن اجراء انتخابات رئاسية في 14 نيسان القادم.
·        زار 7 دول عربية خلال السنوات الـ 15 الماضية من رئاسته لفنزويلا. ومنها سورية إذ زارها مرتين عامي 2006 و2009، والجزائر 4 مرات، وزار ليبيا ثلاث مرات، وزار السعودية، والعراق وقطر والكويت والامارات وتم استقباله في ايران 13 مرة.
·        ولد شافيز لعائلة عاشت حياة فقر. وهو ثاني 7 أخوة وقد اضطر للعمل كبائع للحلوى في طرقات بلدته، إلى أن التحق بالأكاديمية العسكرية عام 1970.
·        أقام هيئات للتكامل الاقليمي، ونسج تحالفات استراتيجية مع روسيا والصين وايران. وأثبت تحليه بالبراغماتية، فلم يتخذ في أي يوم من الايام قراراً يعلق فيه امدادات النفط للولايات المتحدة رغم انتقاداته اللاذعة للامبريالية الاميركية.

نيكولاس مادورو في سطور
·        من مواليد 23 تشرين الثاني 1962 في مدينة كراكاس/ العاصمة.
·        لعب دوراً رئيسياً وفعالاً في صدور قرار الافراج عن شافيز من السجن في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 1992.
·        في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كان ناشطاً سياسياً في النقابة العمالية خلال عمله كسائق لحافلات ركاب في كراكاس.
·        في العام 1998 يصبح مادورو عضوا في الجمعية الوطنية بعد فوز شافيز في الانتخابات الرئاسية.
·        عام 2005 يصبح رئيساً للبرلمان الفنزويلي.
·        عام 2006 يعين وزيراً للخارجية.
·        عام 2011 هو أول من كشف عن اصابة شافيز بمرض السرطان في الحوض.
·        تشرين الأول عام 2012 يعين مادورو نائباً للرئيس بعد فوز شافيز بفترة رئاسية ثالثة.
·        كانون الأول 2012 يعود شافيز إلى فنزويلا ويسمي مادورو خلفاً له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق