الخميس، 28 مارس 2013


 طباعة المقال أرسل الى صديق
الحكومة الاسرائيلية الجديدة
التفاوض مع الفلسطينيين أمر ثانوي 


يوم الاثنين 18 آذار 2013 صادق البرلمان (الكنيست) الاسرائيلي على حكومة بنيامين نتنياهو بأغلبية 68 صوتاً مقابل 48 صوتاً، وعقدت الحكومة اجتماعها الأول في مبنى البرلمان بعد أداء قسم اليمين ولبدء عملها الرسمي.
الحكومة مكونة من ائتلاف أربعة أحزاب رئيسية هي: الليكود بيتنا، هناك مستقبل، البيت اليهودي، الحركة، وتضم 21 وزيراً من ضمنهم رئيس الوزراء نتنياهو.
هذه الحكومة تم تشكيلها بصعوبة كبيرة وفي اللحظات الأخيرة قبل انتهاء المهلة المحددة لنتنياهو (مهلة 14 يوماً)، وبعد أن قبل بشروط ومطالب حزبي "هناك مستقبل" و"البيت اليهودي". وستكون هذه الحكومة مستقرة إذا لم يقع أي خلاف بين الأحزاب الثلاثة الأساسية، لأن انسحاب أي منها، ما عدا حزب الحركة، يعني انهيارها فبالتالي جميع الوزراء معنيون باستقرار الحكومة الى أمد بعيد، وبالتالي سيعملون على تأجيل بحث المواضيع "الخلافية"، ويضعونها على جنب أو على الرف وأهمها القضية الفلسطينية، وايجاد اتفاق نهائي مع الجانب الفلسطيني.

لقضايا الأمن الأولوية
رغم أن نتنياهو قبل بشروط زعيمي حزبي "هناك مستقبل" و"البيت اليهودي" إلا أنه استطاع أن يضع القضايا الأمنية في أيدي حزبه (الليكود بيتنا)، فوزارات الدفاع والأمن الداخلي، والداخلية والشؤون الاستراتيجية والمياه، والجبهة الداخلية ونواب الوزارات الأمنية الحساسة هي كلها بأيدي حزب الليكود بيتنا.
وزير الدفاع الجديد الجنرال المتقاعد موشيه يعالون (بوغي) صرح قائلاً أن أمام دولة اسرائيل أربع قضايا لا بد من معالجتها وهي:
1.     الملف النووي الايراني الذي يشكل خطراً على وجود دولة اسرائيل.
2.     الوضع الأمني على الحدود الشمالية، أي ما يحدث في سورية، وما قد يشكله حزب الله من أخطار على الدولة.
3.     أمن دولة اسرائيل الداخلي لمنع "الارهاب" من مصادرة حالة الاستقرار، وتعريض المواطن الاسرائيلي للخطر.
4.     التفاوض مع الجانب الفلسطيني، ولم يتردد بعض المسؤولين الاسرائيليين من القول بأن على الفلسطينيين أن يعملوا لاقامة حكم ذاتي وليس أكثر من ذلك.

أي أن ملف "القضية الفلسطينية" يأتي بالمرتبة الرابعة، وليس هو من اهتمامات اسرائيل الأولية، لأن هناك اهتمامات أخرى وهي القضايا الاجتماعية الداخلية. ولذلك فإن نتنياهو لعب جيداً، ومنح حزبي "البيت اليهودي" و"هناك مستقبل" مسؤولية متابعة وادارة الشؤون الداخلية في اسرائيل.

القضايا الداخلية الاجتماعية
وقد تولى الحزبان وزارات المال، والتربية والتعليم والصحة، والشؤون الاجتماعية والسكن، لأن زعيم حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد الذي برز نجمه خلال التحركات الشعبية المطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي في صيف عام 2011 يصر على اجراء تغييرات كبيرة لصالح الشعب، ولذلك اصر على تولي هذه المسؤوليات الداخلية مع أنها كبيرة وخطيرة جداً، وقد تحرقه وتحرق حزبه، لكنه اعتبر نفسه منتصراً عندما استطاع تولي مسؤولياتها.
والحكومة الاسرائيلية ستركز على الأمن والقضايا الداخلية، لذلك لن يكون لها متسع من الوقت لبحث موضوع التفاوض مع الفلسطينيين، أو لتقديم تنازلات أو احراز اي تقدم. لأن التقدم في المفاوضات قد يشكل خطورة على الحكومة نفسها، لأن حزبي البيت اليهودي وهناك مستقبل يختلفان في موضوع التفاوض والحل السياسي، وهما متفقان على العديد من القضايا الاجتماعية لذلك ستترك الحكومة الحالية القضايا الخلافية جانباً للحفاظ على استقرارها. والملف الفلسطيني قد يكون القنبلة التي سيستخدمها نتنياهو إذا أراد "ابعاد" هناك مستقبل عن الحكومة، وضم الأحزاب الدينية، بعد الايقاع بين زعيمي الحزبين بينيت ولابيد. ولكن الاثنين مدركان لذلك، فهما متماسكان حتى الآن لأن وجودهما مع بعضهما بعضا داخل الحكومة يقوي موقفيهما، ويوفر لهما المجال لفرض ما يريدون على هذه الحكومة، وأفضل لهما من الخلاف وشق الحلف بينهما.

الخدمة العسكرية للمتدينين
الحكومة الحالية ستقر قانون الخدمة العسكرية الجديد للمتدينين الذي يلزم كل متدين بأداء الخدمة العسكرية سواء بالانخراط في الجيش، أو بتقديم خدمات مدنية، ويعفى من ذلك الذين يواصلون دراساتهم الدينية حتى سن 27 عاما. والمتدينون المعفيون من الجيش يحصلون على مخصصات شهرية، وهم عبء مالي على الدولة، وفي كثير من الأحيان يتركون الدراسة مبكراً، وتكون قضية دراستهم الدينية ذريعة للتهرب من الجيش وأداء واجبهم الوطني.
هناك من يقول أن هناك اتفاقاً على تحديد عدد الطلبة المتدينين الذين يواصلون دراساتهم الدينية، ولا يتجاوز عددهم الالفين مع ان الرقم قد يزيد قليلاً.. واي واحد منهم ينسحب من التعليم عليه الانضمام أو الالتحاق بالجيش، ومن يترك الدراسة قبل 26 عاماً من عمره تفرض عليه غرامة، وقد تتوقف الحكومة عن دفع المخصصات الشهرية له.

قانون الانتخاب لابعاد العرب
هناك جهود تبذل من أجل تحديث أو تعديل قانون الانتخاب في اسرائيل يشمل أمرين اثنين: رفع نسبة الحسم الى 4 أو 5 بالمائة، وكذلك التشديد على العضوية في الحزب وعدم استخدام هذه العضوية للتأثير على هذا الحزب أو ذاك، أو لشق صفوفه. وقد عانت الأحزاب كثيراً من أعضاء كثيرين انضموا إليها للتأثير على قراراتها الداخلية، ويوم الاقتراع ذهبت أصواتهم لصالح أحزاب غير الحزب الذين ينتمون إليه رسمياً، لصالح فقط الحزب الذي يتماشى مع عقيدتهم ومبادئهم، وخير مثال على ذلك أن أكثر من عشرين ألف مستوطن انضموا الى عضوية حزب الليكود، وأثروا على انتخاباته الداخلية، ولكن عند الانتخابات لم يحصل حزب الليكود سوى على أقل من نصف هذه الأصوات المفروض أن تكون مضمونة.
رفع نسبة الحسم ستساهم الى ابعاد الكتل العربية عن الكنيست في الانتخابات القادمة، وقد تضطر هذه الأحزاب العربية الى التحالف فيما بينها، وإلا فإنها ستتلاشى عن الخريطة السياسية.

التفاوض مع الفلسطينيين
لقد عين نتنياهو زعيم حزب "الحركة" تسيبي ليفني وزيرة العدل، رئيسة للطاقم الاسرائيلي المفاوض مع الجانب الفلسطيني، مع أنه هو نفسه سيشرف على هذه المفاوضات. ومن أجل عرقلة هذا التفاوض ضم نتنياهو اليه سيلفان شالوم الذي قد يعرقل التفاوض لأنه متشدد ومتطرف، ولا يقبل بالتنازل، وقد يؤدي وجوده الى اضعاف الوفد الاسرائيلي المفاوض من خلال ادخاله في نفق الخلاف حول قضايا ثانوية قبل أن تكون أساسية ومصيرية.
كما ذكر سابقاً، التفاوض مع الفلسطينيين سيكون للاظهار للعالم أن اسرائيل مستعدة للتفاوض، وتحقيق سلام حقيقي، وان المعرقل لذلك هو السلطة الفلسطينية. وهذا الطاقم لارضاء اميركا وخاصة الرئيس الاميركي اوباما، الذي سعى في السابق الى ادخال ليفني الى الائتلاف الحكومي وفشل، وهذا الطاقم ايضاً لاحراج السلطة الفلسطينية واجبارها على التفاوض مع ليفني، إذ كانت هناك مفاوضات معها في عهد اولمرت وفي ظل تواصل الاستيطان أيضاً.

حكومة استيطان
الحكومة الحالية في غالبية أعضائها موالية وداعمة للاستيطان، حتى أن حزب "الحركة" بزعامة ليفني لا تؤيد ازالة الاستيطان أو المستوطنات، وبالتالي فإن الاستيطان سيتواصل، والشرط الفلسطيني بالعودة الى طاولة المفاوضات المباشرة لن تقبله الحكومة، وهذا الشرط ينص على وقف كل أشكال الاستيطان. ومن هنا يمكن القول أن الحكومة الحالية لن تهتم باجراء مفاوضات إلا بالشروط الاسرائيلية وفي طليعتها: القبول أو الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، والتنازل عن حق العودة، وغور الاردن لن يكون إلا تحت السيادة الأمنية الاسرائيلية، والقدس ستبقى موحدة.
حتى ولو توجه الطرفان إلى طاولة التفاوض، فإن المفاوضات لن تحرز أي انجاز، وسيكون التفاوض بمثابة مضيعة للوقت، أو ابرة تخدير لاسكات الأصوات المراهنة على خيارات أخرى غير الخيار السياسي، ولابقاء حل الدولتين حيّاً، ولاعطاء "أمل" في امكانية التوصل الى سلام حقيقي وشامل!

حكومة حرب ومواجهة
حكومة نتنياهو الجديدة هي حكومة مواجهة وحرب.. وقد قال نتنياهو خلال خطابه في الكنيست: "تواجه اسرائيل مخاطر أمنية كبيرة"، وهذا القول يهيء الشارع الاسرائيلي لضرورة أن تستعد اسرائيل لمواجهة قد تقع قريباً. وعيّن نتنياهو موشيه يعلون وزيراً للدفاع، ويعلون معروف بمواقفه المتطرفة، فهو يؤيد بضرورة أن تتولى اسرائيل، ولوحدها معالجة الملف النووي الايراني، وهو من دعاة "القضاء" على خطر حزب اله على الحدود الشمالية.
ولكن التساؤل الاكبر هل اسرائيل قادرة على خوض غمار مواجهة ساخنة لوحدها في حين أن شعبها يطالب بالحصول على اهتمام أكبر به، وبالتالي تخصيص ميزانيات لتحسين الوضع الاجتماعي.
لقد أدرك نتنياهو أن للثورة الاجتماعية في اسرائيل تأثيراتها ونفوذها، واثرت على حزبه، وبالتالي عليه أن يتماشى معها، ويعاضدها.. ومن هنا يدخل نتنياهو وحكومته في صراع ذاتي حول من هو الاكثر أهمية: الوضع الداخلي وتحسينه أو مواجهة الاخطار الآتية من ايران.
لعبة التوازن بين القضيتين ستتواصل، والظروف الدولية لها اعتباراتها، لذلك فإن نتنياهو مجبر على الاهتمام بالوضع الداخلي، مع الاستعداد المتواصل لأي مواجهة عسكرية محتملة..
ومن هذا المنطلق، فإن احراز أي تقدم لحل المشاكل والقضايا المختلف عليها مع الفلسطينيين غير وارد في هذه المرحلة الا إذا كانت هناك ضغوطات اميركية، وهذه الضغوطات غير واردة، وهي من المستحيلات لأن الرئيس اوباما بحاجة الى اسرائيل والى دعمها لأن لها نفوذاً ووجوداً على الساحة الداخلية. ويعني أن مرحلة الجمود السياسي في الشرق الأوسط ستتواصل لسنوات عدة، وخاصة أن اوباما يدرك أن اقامة دولة فلسطينية في العام الحالي صعب، وقد تقام في السنوات القادمة، لربما العام القادم أو بعد انتهاء ولايته. آخذين بعين الاعتبار أن وعودات اوباما خلال ولايته الرئاسية الأولى تبخرت أيضاً، وسياساته "خرّبت" أكثر مما "عمّرت".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق