الاثنين، 12 يناير 2015

بروز النازية من جديد ليس من قبيل الصدفة

imageحجم الخط: تصغير الخط تكبير الخط

شارك نحو 10 آلاف شخص تحت شعار "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب" من أنصار "بيجادا"، وهو تحالف يميني الماني متشدد مناهض للإسلام، بين أعضائه العديد من النازيين الجديد، في مدينة دريسدن شرقي المانيا. وأهداف الجماعة هي "القانون والنظام" والتعامل مع طالبي اللجوء بحزم شديد ، وذلك ضمن المساعي التي تصب في الحفاظ على الهوية الألمانية.
تقول الجماعة عبر صفحتها على فيسبوك، انها تسير جنبا الى جنب مع النضال ضد ما تسميه "إساءة اللجوء" و"تضليل التيار الرئيسي في وسائل الاعلام". وفي نهاية المطاف، يرون أنفسهم كحركة من الشعب والى الشعب.
وبالفعل، فالأمر لا يقتصر على مسيراتهم الأسبوعية. بل أيضا على ما تتضمنه من فحوى قومي إضافة إلى الآليات المستخدمة في تلك المسيرات، التي جعلها تبدو تقليدا من ألمانيا الشرقية سيئة السمعة: مسيرات يوم الاثنين من كل أسبوع، وهو نفس اليوم الذي كان يتجمع فيه المتظاهرون ضد نظام حكم جمهورية ألمانيا الديمقراطية قبل عام 1989. ويمكن للمرء فهم "بيجادا" ببساطة بناء على موروث التمييز العنصري المعادي للإسلام.
المبادر للمسيرات يدعى لوتز باخمان، وهو ناشط يميني مدان سابقا، وهو ينفي ان تكون جماعته توجه كراهيتها ضد الإسلام بحد ذاته أو ضد الأجانب. وقال لصحيفة نيويورك تايمز "ما لا نحبذه ان اللاجئين يأخذون دون ان يعطوا أي شيء في المقابل، الأمر الذي يشكل عبئا على النظام الاقتصادي الألماني".

وعلى إثر ذلك اثارت "بيجادا" نقاشا سياسيا واسعا إذ انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخرا الاحتجاجات، وقالت: "لا مكان في ألمانيا للكراهية ضد المسلمين أو أي جماعة دينية أو عرقية أخرى". وقالت كريستيان ريتز المتحدثة بلسان ميركل "باسم الحكومة والمستشارة أستطيع أن أقول بوضوح شديد إنه لا مكان في ألمانيا للكراهية الدينية أي كانت الديانة التي يعتنقها هؤلاء الأشخاص". وأضافت "مع ذلك، على الحكومة أن تأخذ مخاوف الناس بجدية، مما يدل على أن قضايا الهجرة سيتم مناقشتها". من ناحيته، أظهر وزير الداخلية توماس دي ميزير شكوكه في قيادة بيجادا. فقد طلب تفهم المتظاهرين، بقوله "بعضهم يشعر بالغربة في بلاده". وفي المقابل فان موقف بيرند لوك زعيم حزب "البديل لألمانيا" بشأن دمج المهاجرين هو ابعد إلى اليمين من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية، وقد رحب بتلك المسيرات.

ووفقا للمكتب الاتحادي للهجرة في ألمانيا، فقد وصل عدد طلبات اللجوء الى أكثر من 250 ألفا في العام 2014، وهو عدد منخفض نسبيا، وفي الواقع فإن 2,2% فقط من سكان ساكسونيا هم من المهاجرين، وعلى ما يبدو فان انشطة بيجادا تعتمد بالأساس على مجريات الأحداث بالخارج، أكثر من كونها مشاكل داخل المانيا. خاصة مع زيادة اهتمام وسائل الإعلام "بالدولة الإسلامية" والتوظيف من الأوروبيين، كانت النغمات العنصرية لا لبس فيها.
وقبل تصريحات ميركل، أدان هيكو ماس وهو سياسي من الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني انشطة بيجادا ودعا جميع الاطياف السياسية الألمانية الى تشكيل معارضة مشتركة ضد ها.
فيما اعتبر أيمن مزيك مدير المجلس الاسلامي المركزي في المانيا ان "شعارات المحتجين تظهر بالأساس كراهية الأجانب، اضافة الى العنصرية والتمييز واللاسامية التي تحولت الى مظاهر مقبولة من الناحية الاجتماعية"، وحذر خصوصا من التعاطف مع مواقف "الوطنيين الأوروبيين ضد أسلمة الغرب" داخل المؤسسة الالمانية وطالب المسؤولين بإبداء مواقف أكثر وضوحا ازاء هذه الظاهرة.

ومن جانبهم فقد عارض ممثلو الكنيسة المجموعات التي تدعي اعتمادها على الفكر المسيحي، في اشارة واضحة الى بيجادا، التي ذكرت انها تستلهم منهجها من الفكر المسيحي. وفي نداء علني ذكرت الكنيسة ان بيجادا تستغل المخاوف الحالية من الارهاب الاسلامي للتحريض على الاجانب والمهاجرين. ورفعت ايضا أصوات يهودية في المانيا منددة بهذه الجماعة وأهدافها المعلنة، ووفقا لصحيفة فرانكفورتر ألجماين، أكدت "نورا غولدنبوين" رئيسة الجالية اليهودية في دريسدن على أهمية مساعدة الناس المحتاجين، مشيرة الى ان اعداد الضحايا خلال الهولوكوست كان اعلى بكثير، وقالت "إذا لم يكن هناك من سيساعدهم فانا على استعداد لاستقبال اللاجئين".
بينما انتقدت الباحثة في الدراسات اليهودية -الالمانية "هنا تسوباري" من برلين المعايير المزدوجة في النقاش العام "لا يستطيع المرء أن ينكر تجاوزات اللاسامية في المظاهرات ضد الحرب على غزة في وقت سابق من هذا العام"، وقالت "لكن من المستحيل فصل النقاش حول اللاسامية والمظاهرات المعادية للمسلمين في دريسدن في هذه الأيام. وهذا ليس غضب مشروع. انها العنصرية الثقافية كظاهرة جماعية".
ويبدو انه تشكل نهجان من الناحية القانونية قد اجريا مؤخرا في ائتلاف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي للإشارة إلى شكل مختلف من ازدواجية المعايير بشأن إدانة البيغادا من جهة اولى دفع نحو برنامج أكثر شراسة حول الهجرة والاندماج ومن جهة أخرى: الحظر المقترح على النقاب الإسلامي الذي يسير على خطى النموذج الفرنسي من العام 2010، اضافة الى مشروع القانون الذي قدم من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في اقليم بافاريا الذي يحض الأجانب الذين يسعون لإقامة دائمة في ألمانيا على التحدث بالألمانية، في كل مكان حتى داخل المنزل.
وفي حين قوبل الاقتراح الثاني بانتقاد على نطاق واسع وساخر - لاسيما أنه جاء من الدولة الألمانية التي تحتوي على العديد من اللهجات التي يصعب على الالماني نفسه فهمها، إلا ان الاعتبار جاء أولا بادعاء الدفاع عن حقوق المرأة، وبالتالي الهروب من اتهامات الخوف من الإسلام.
ومع ذلك، فقد فسر النقاد ان ذلك جاء في محاولة لإرضاء الناخبين في ضوء صعود نجم حزب "البديل لألمانيا". ويكتب أحد هؤلاء النقاد في مساهمة لصحيفة الغارديان، وهو الصحفي الألماني ياسين مشربش "الخوف من الإسلام آخذ في الازدياد في ألمانيا"، ويضيف مشربش "السياسيون هنا لمسوا ان شيئا ما يحدث، لكنهم بالأساس ادعوا ان الشكاوى يجب ان تؤخذ على محمل الجد لكن دون انتقاد للمظاهر العنصرية التي جاءت من تلك الشكاوى".
وعلى خلفية صخب مسيرات يوم الاثنين من كل اسبوع لـ "وطنيين أوروبيين ضد أسلمة الغرب" فان تشريع حظر النقاب يتقدم بخطى ثابتة اضافة الى منع التحدث بغير الألمانية، يظهر جليا ان بروز بيجادا ليس من قبيل الصدفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق