الخميس، 10 أبريل 2014

ترشّح جعجع: خارج السياق

ترشّح جعجع: خارج السياق

جوني منير

لم تظهر ردود فعل خارجية على خطوة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع بإعلان ترشّحه للانتخابات الرئاسية، لدرجة أنّ أحد الديبلوماسيين الأوروبّيين المهتمّين بالشأن الرئاسي اللبناني اكتفى بتعليق مقتضَب ولكنّه بليغ بمعانيه، عندما قال: «إنّه شأن يتعلق بالسياسة الداخلية اللبنانية».
يَنصبّ تركيز الأوساط الدولية التي تتابع الوضع في لبنان من خلال زاويتين أساسيتين، الأولى هي الحفاظ على الاستقرار الامني ولو بحدّه الأدنى، والثانية حماية الدولة اللبنانية من خطر الانهيار والزوال، على التطوّرات الإقليمية الكبيرة والمتسارعة والتي تتصدّرها المفاوضات الأميركية – الإيرانية التي تُخاضُ بسرّية كاملة، ويُتوقّع لها أن تنتهي في جزئها الثاني منتصف الصيف المقبل.
ولا شكّ في أنّ الإشارات النادرة الصادرة في هذا الإطار تبدو واعدةً لجهة حصول توافق ما. فالمملكة العربية السعودية التي استقبلت أخيراً الرئيس الاميركي باراك أوباما نشَطت قنوات اتّصالها مع إيران، ولو من دون الحديث عن ذلك علانية.
وليس من باب المصادفة تزامنَ ذلك مع ولادة حكومة لبنانية جامعة كانت ضرباً من الاستحالة قبل بضعة أشهر. وترافق هذا التواصل مع إعادة فتح قنوات الحوار بين «حزب الله» وتيّار «المستقبل»، بعدما كانت مقفلة لأعوام طويلة، حيث يتولّى هذا التواصل أحد أبرز صقور «المستقبل» وزير العدل أشرف ريفي. في وقت يشهد الملف الأمني إنجازات كانت تبدو مستحيلة في طرابلس وغداً في البقاع الشمالي.
ومن مؤشّرات التفاهم الاميركي – الإيراني أيضاً بدء شركة «بوينغ» الأميركية العملاقة بمشروع إصلاح المحرّكات المعطّلة للأسطول الجوّي الايراني، مع ما يعني ذلك من كسرٍ للحظر المفروض منذ عقودٍ عدة.
وفي اختصار، يرتكز التوجّه الدولي الجديد في الشرق الأوسط على الشروع في ورشة التوافق مع إيران وفق مبدأ الاعتراف بخريطة جديدة لمصالح القوى الإقليمية الكبرى.
ولا حاجة لكثيرٍ من الجهد للاستنتاج بأنّ رياح الواقع الاقليمي الجديد ستلفح لبنان، خصوصاً في استحقاقه الرئاسي المنتظر، وهو ما يعني أنّ صورة الرئيس المقبل لا يمكن إلّا أن تكون متطابقة مع المناخ العام، أي رئيس توافقي لا رئيس تحدٍّ، وهو ما لم يستطع أحد تمريره حتى في عزّ المواجهة الإقليمية على الساحة اللبنانية عام 2008.
في الأسبوع الماضي، زار مسؤول قطريّ باريس، وأبدى خلال أحد لقاءاته الضيّقة وجهة نظر بلاده، ومفادُها أنّ الأمور تتّجه في نهاية الأمر إلى توافق إقليمي، الأمر الذي سينعكس حتماً على لبنان، إنْ لجهة إنجاز استحقاقاته أو لجهة الشروع في نهجٍ توافقيّ داخلي. هذا مع الإشارة الى التواصل غير المباشر الذي بدأ بين الدوحة ودمشق، إضافةً إلى تجديد العلاقة مع طهران وفق توقيت مناسب.
لذلك، فإنّ الاعتبار الاوروبّي بأنّ ترشّح جعجع هو مسألة مرتبطة بالمناكفات السياسية الداخلية قد يعكس التقويم الحقيقي للخطوة، ولو من باب الغمز. وعلى عكس رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي بكَّر في تعديل سياسته، ليقف في الوسط التوافقي ويُحدث خرقاً مع الرئيس سعد الحريري، وحتى مع السعودية، فإنّ محاولة جعجع المتأخّرة جداً لفتح خطوط مع «حزب الله» بقيَت بلا جواب، ما دفَعه إلى الشروع في حملته الرئاسية من زاوية الطرف.
في الأساس كان جعجع يُحضّر خطوته الرئاسية، لكن وفق قراءة سياسية أخرى للمنطقة. هكذا زار مصر أيام الرئيس حسني مبارك وشبَكَ علاقة متينة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسعى لاحقاً للانفتاح على حركة «حماس»، وزار كردستان العراقية من خلال مسعود البارازاني، وعزَّز علاقاته الخليجية، خصوصاً مع السعودية وقطر.
ومع اندلاع الربيع العربي، عدَّل جعجع في خطّته من خلال احتضان القوى الجديدة، على أساس أنّ الحسابات في سوريا تؤشّر إلى سقوط وشيك للرئيس بشّار الأسد، ومناخ جديد يمكن إضافته كعامل مساعد جدّاً لوصوله إلى قصر بعبدا. ونظَّم لذلك مؤتمر «ربيع شعوب… خريف عهود».
لكنَّ الرهان لم يكن صائباً، وبدلاً من انتقال المنطقة إلى واقع انتصار فريق وخسارة آخر، كانت واشنطن تفتح باب الاعتراف بنفوذ إيران وتباشر الاعتراف بفوائد استمرار النظام السوري، ولو وفق صيغة جديدة قيد الإنتاج.
وعلى رغم فشل الرهان الكبير، يحاول جعجع فرض نفسه، قوّة مسيحية وحيدة في فريق «14 آذار» من خلال إعلان ترشّحه، ولا بدّ أن يدرك هو ضمناً أن لا حظوظ فعلية له. هو يريد فرض نفسِه في الدورتين الأوليَين ليُكرِّس نفسه الطرف المسيحي الوحيد في «14 آذار».
لذلك قيل مثلاً إنّ الرئيس أمين الجميّل تلقّى وعداً من جعجع بالانسحاب لمصلحته فيما لو دعمَه في الدورتين الأوليين، وهو ما سيفعله الجميّل. في المقابل، بدا الرئيس سعد الحريري بارداً في ما يشبه الاستياء من خطوة جعجع والمناخ المحيط بهذا الترشيح، ولو أنّه جاء من يقول له إنّ جعجع يُحرّره من أيّ موقف قد يتّخذه مستقبلاً وبعد إقفال أوّل دورتين انتخابيّتين، في وقتٍ جاء ردّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على ترشّح جعجع من خلال إعطاء توصيف للرئيس القويّ لا يتماشى أبداً مع مواصفات جعجع.
الجمهورية




المزيد .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق