الخميس، 6 يونيو 2013


انتهاكات مستمرة ولا نية للإصلاح

خلفية تاريخية

في عام 1916 واجهت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس "وودرو ويلسون" مشكلة كبيرة تتلخص في الحاجة إلى تحويل الرأي العام الأمريكي الرافض حينها بشدة أن تنخرط بلاده في الحرب العالمية الأولي التي دخلت عامها الثالث، إلي تبنى خيار الحرب لتحقيق ما اعتبرته هذه الإدارة المصالح العليا للولايات المتحدة. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية أنشئت "لجنة الإعلام الجماهيري" والتي عرفت بلجنة كريل. كأول جهاز حكومي متخصص في الدعاية يهدف إلى توجيه الرأي العام والتلاعب صراحة به لدفعه إلى دعم توجهات حكومته. حققت هذه اللجنة نجاحا مبهرا خلال عدة شهور وكانت ركيزة رئيسية لتأمين الدعم الشعبي لقرار دخول الحرب ثم الاستمرار فيها حتى نهايتها. هذا النجاح حدا بدول أخرى إلى إعادة إنتاج التجربة فأنشأت بريطانيا وزارة المعلومات في عام 1918. وكان تراكم الخبرات وآليات العمل إضافة للنجاحات المتتالية لهذه اﻷجهزة أثره في تبني ألمانيا النازية مفهوم البروباجندا كأحد المرتكزات الأساسية للدولة، وكانت "وزارة الإرشاد الجماهيري والدعاية" واحدة من أهم إضافات أدولف هتلر إلى أول حكوماته في عام 1933. وكان دور ونجاح هذه الوزارة بقيادة جوزيف جوبلز مثار شعور مختلط من الإعجاب المستتر والإدانة المعلنة من قبل أعداء ألمانيا أثناء الحرب وبعدها.
ارتباط مفهوم البروباجندا بالأنظمة الفاشية والشمولية لم يمنع ما يسمى بدول العالم الحر من الاستفادة من تجارب هذه الأنظمة في تطوير آليات تشكيل الرأي العام من خلال الإعلام. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية كان مبدأ السيادة الإعلامية كأحد ركائز سيادة الدولة مسلما به وتبنته الدول القومية الناشئة في بلدان العالم الثالث إثر تحررها من الاستعمار الغربي. وفي الواقع كان لدى هذه الدول من الشواهد ما يدعم تصور أن وجود جهاز إعلامي حكومي يحكم السيطرة على عملية صنع الرأي العام هو أحد عناصر تأكيد استقلالها عن المستعمر، وأهم هذه الشواهد حرص الدول الاستعمارية على عدم بناء مثل هذه الأجهزة في مستعمراتها في حين لم تمانع في بناء أجهزة الإدارة البيروقراطية أو حتى أجهزة الأمن الداخلي والجيوش.

نشأة وتطور وزارة الإعلام في مصر


كانت هذه هي الظروف التاريخية لنشأة أول وزارة للإعلام في مصر. كان ذلك في نوفمبر من عام 1952، بعد أشهر قليلة فقط من قيام ثورة يوليو. وسميت بوزارة "الإرشاد القومي"، وتغير الاسم مؤقتا إلى وزارة "الثقافة والإرشاد القومي". قبل أن يعود إلى شكله الأول ويستمر به حتى نهاية عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وفي فترة حكم الرئيس أنور السادات اندمجت وزارتا الثقافة والإعلام مرة أخرى، قبل أن تستقر وزارة الإعلام بهذا الاسم وباستقلالها عن وزارة الثقافة في بداية عهد حسني مبارك في عام 1982.
اتضحت الأهمية الكبرى للإعلام بالنسبة لحكام مصر الجدد بعد الثورة في تولى عسكريين سابقين قريبين جدا من مركز اتخاذ القرار لمنصب وزير الإرشاد القومي في معظم فترة حكم جمال عبد الناصر، فبعد وزيرين من غير العسكريين توليا الوزارة في بدايتها وحتى منتصف عام 1953، وهما "فتحي رضوان"، ثم "محمد فؤاد جلال"، تولى حسين سالم وهو أحد الضباط الأحرار وعضو بمجلس قيادة الثورة مسؤولية الوزارة في الفترة من 1953 وحتى 1958، وتلاه في المنصب أشهر وزراء الثقافة والإرشاد القومي في عهد الثورة وهما ثروت عكاشة وينتمي إلى الصف الثاني من الضباط الأحرار، ثم محمد عبدالقادر حاتم، وفي عهدهما أنشئ التليفزيون المصري وبدأ انطلاقته الأولى بسرعة كبيرة، ويعتبر وزير الإعلام التالي نموذجا كاشفا لطبيعة الجهاز الإعلامي كما تصورها النظام المصري، فأمين هويدي الذي تولى هذا المنصب في 1965 وحتى النكسة في عام 1967، غادر وزارة الإعلام ليصبح مديرا للمخابرات العامة ووزيرا للحربية. انتقال مسؤولين بين العمل بالجهاز الإعلامي والأجهزة الأمنية والمخابرات المصرية هو ظاهرة تكررت ومنحت وزارة الإعلام بعض أهم وزرائها.
في فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات خرجت وزارة الإعلام من نطاق مناصب العسكريين السابقين لبعض الوقت، بدأ ذلك في نهاية عهد جمال عبدالناصر بتولي محمد فائق للوزارة، واستمر مع تولي محمد حسن الزيات ثم أحمد كمال أبو المجد لها، ومثل يوسف السباعي أحد أشهر من تولوا منصب وزير الإعلام استثناءً لقاعدة عدم تولي عسكريين سابقين لهذا المنصب، وتولى الوزارة بعده في عهد السادات 6 وزراء كان أهمهم عبدالمنعم الصاوي ومنصور حسن، وفؤاد محيى الدين.
لم يكن خروج وزارة الإعلام في عهد السادات من بين أيدي العسكريين دليلا على انحسار أهميتها بل على العكس من ذلك، فالسادات الذي تجنب المقربين إلى نظام عبدالناصر والجيش هو معقلهم الرئيسي ، حيث لجأ إلى اصطناع طبقة جديدة من المقربين إلى الحكم من البيروقراطيين والمثقفين ثم من قيادات الحزب الوطني الذي أنشأه، ويظهر جليا أن الوزارة ظلت أحد ركائز النظام في كون أهم وزرائها هم سياسيون مهمون تولوا مناصب أخرى هامة منها رئاسة الوزراء كما هو الحال مع فؤاد محيى الدين الذي كان أول رؤساء الوزارة في عهد مبارك.
عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ، شهد تولي أشهر وزراء الإعلام المصريين وأكبرهم تأثيرا في طبيعة عمل هذه الوزارة في تاريخها وهو صفوت الشريف، واحد من أعمدة النظام السابق الأساسية، وقد شغل منصب وزير الإعلام طوال 22 عاما أي لأكثر من ثلث العمر الإجمالي لوزارة الإعلام وأكثر من ثلثي فترة حكم مبارك، وفي فترة توليه لهذا المنصب أرسي آليات العمل في الجهاز الإعلامي المملوك للدولة ليعمل كأداة للنظام وصوت له، وتضخم في عهده حجم هذا الجهاز ليصبح ذا أبعاد ديناصورية لا يوازيها حجما أي جهاز حكومي آخر.
واستقرار الشريف طوال هذه المدة الطويلة في منصبه رغم صعوده الكبير في أروقة الحكم ليصبح واحدا من الحلقة الضيقة التي تدير سياسة مصر، يدل على مدى أهمية الجهاز الإعلامي بالنسبة للرئيس السابق، ومع مغادرة الشريف للوزارة لتولى مسؤولية مجلس الشورى مع إضافة الأمانة العامة للحزب الوطني لمناصبه، لم يكن ذلك إيذانا بتعديل آليات عمل الوزارة التي وضع خطوطها الرئيسية وإنما اطمئنانا لأن أي وزير تالي لن يمكنه إلا أن يستمر في نفس النهج دون تغيير، وهو ما اتضح بالفعل في عهد أنس الفقي وزير الإعلام الذي شغل المنصب معظم الفترة المتبقية من حكم مبارك، بعد فترة قصيرة لممدوح البلتاجي.

المعالم الرئيسية على مسار الإعلام المصري


قبل ثورة يوليو تمثل الإعلام المملوك للدولة في مؤسسة وحيدة هي الإذاعة المصرية التي أنشئت في 1943، وفي أعقاب الثورة انتقل الإشراف على الإذاعة إلى وزارة الإرشاد القومي المنشأة حديثا، وكان عقد الخمسينات هو مرحلة تحول الإذاعة المصرية إلى أحد مرتكزات الدور الإقليمي الصاعد لمصر في المنطقة العربية ودورها العالمي في حركة تحرر دول العالم الثالث من الاستعمار الغربي، واعتمد هذا الدور على التوسع في الخدمات الإذاعية التي كان من أهمها في ذلك الحين إذاعة صوت العرب المنشأة في عام 1953.
التطلع إلى دخول عصر البث التليفزيوني ظل حلما تتبناه الدولة المصرية ممثلة في رأسها نفسه في ذلك الحين، وفي عهد الوحدة المصرية السورية بدأت خطوات تحقيق ذلك الحلم تحت الإشراف المباشر للرئيس جمال عبد الناصر الذي أصدر أوامره ببناء مبني مقر التليفزيون على مساحة 12 ألف متر مربع في أغسطس عام 1959، على أن ينتهى البناء مواكبا للاحتفال بذكرى الثورة في يوليو من العام التالي 1960، وهو تحدى ضخم تم تحقيقه فعليا في إشارة واضحة لمدى أهمية هذا المشروع للدولة المصرية حينها، وبدأ أول بث للتليفزيون المصري من المبنى الجديد في يوليو 1960، وأرتبط الإعلام المصري بهذا المبنى الضخم على كورنيش النيل بالقاهرة والذي أخذ الاسم الذي اشتهر به من اسم شارع "ماسبيرو" المنسوب في الأصل إلى عالم المصريات الشهير "جاستون ماسبيرو" ثاني مديري مصلحة الآثار المصرية بعد مؤسسها أوجوست مارييت.
في حين استمرت الإذاعة هي الوسيلة الإعلامية الأهم لدعم دور إقليمي لمصر في عصر ما قبل الأقمار الصناعية، كان التليفزيون هو أداة فرض السيادة الإعلامية الأهم في الداخل، وهو الدور الذي بلغ قمته في عقد الثمانينات ثم تهاوى بسرعة مع بدء نشأة القنوات التليفزيونية الفضائية الناطقة بالعربية في التسعينات، ويتضح توجه نظام مبارك إلى الانكفاء على الداخل مع انهيار كفاءة البيروقراطية المصرية، في انتهاج وزارة الإعلام منذ التسعينات أسلوبا دفاعيا في معظمه حتى في محاولاتها لإنشاء قنوات فضائية مصرية تواجه النمو المتسارع للإعلام العربي من خلال الأقمار الصناعية، فهذه القنوات الفضائية لم تحاول جديا مخاطبة المتلقي العربي، كما أن قيود الخطاب الإعلامي وخاصة في مجال الأخبار جعل من المستحيل أن تنافس قنوات التليفزيون المصرية نظيراتها العربية التي اعتمدت على خطاب متحرر من قيود البيروقراطية.
ما طرأ من تغيرات عديدة وهامة على وزارة الإعلام المصرية لم يغير بأي حال مفهوم وظيفتها التي أنشئت للقيام بها وتتلخص في تحقيق مبدأ "السيادة الإعلامية"، ووفق هذا المبدأ فإن على الدولة أن تحتكر أدوات صنع الرأي العام وتوجيهه أو على الأقل تحكم سيطرتها عليه كأحد العناصر الرئيسية لتحقيق سيادتها. وينعكس ذلك في اعتبار وزارة الإعلام واحدة مما يسمى بالوزارات السيادية جنبا إلى جنب مع وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والتي يحتفظ رئيس الجمهورية بحق تعيين وزرائها دون رئيس وزرائه.
 الأهم من ذلك أنه ينعكس في الدور الحقيقي للوزارة ووزرائها المتعاقبين بغض النظر عما يقرره القانون من اختصاصات لها، كما يفردها القرار الجمهوري رقم 310 لعام 1986.
وبرغم أن مصر قد شهدت خلال العقد الأول من الألفية الجديدة نشأة عدد كبير من وسائل الإعلام غير المملوكة للدولة وفي مقدمتها القنوات الفضائية المملوكة لمستثمرين فإن ذلك لم يغير من طبيعة الدور الأساسي لوزارة الإعلام في إحكام سيطرة الدولة على المنتج الإعلامي، مع تغير الوسائل. فقد ظل احتكار تليفزيون الدولة للخدمات الإخبارية بصفة خاصة قائما من خلال عدم الترخيص للقنوات الفضائية بتقديم مثل هذه الخدمات، ومع السماح لبعضها بالالتفاف على هذا القيد وخاصة من خلال برامج التوك شو ذات الطابع السياسي إلا أن كون ذلك تم دائما بصفة غير رسمية جعل هذه القنوات مضطرة إلى الالتزام بخطوط حمراء معينة كونها دائما تحت تهديد سحب ترخيصها لمخالفتها لشروطه.
مع انتشار وسائل الإعلام غير المملوكة للدولة ونجاحها أصبح الدور المعلن لوزارة الإعلام والمتمثل في رسم السياسات الإعلامية للدولة غير ذي قيمة عمليا، بينما استمر فقط دورها كرقيب مسيطر على المنتج الإعلامي وخاصة الخبري والمتعلق بالشأن العام إما مباشرة بإدارتها لوسائل الإعلام المملوكة للدولة أو غير مباشرة من خلال تقييد الدولة للوسائل غير المملوكة باشتراطات الترخيص لها بالعمل،
فضلا عن مبادرة وزير الاعلام المصري في فبراير 2008 ، وبدعم سعودي ، لطرح ما يسمى بوثيقة وزراء الاعلام العرب تحت غطاء جامعة الدول العربية ، لفرض مزيد من القيود على وسائل الاعلام لمحاولة الحد من تأثيره على الراي العام العربي.
ومع ارتفاع أصوات عدة بالمطالبة بإلغاء وزارة الإعلام بوصفها من بقايا الأنظمة الشمولية، لا سيما في أعقاب بداية ثورة يناير 2011، خلت أول وزارة شكلها المجلس العسكري من وزير للإعلام، وعندما شعر أعضاء هذا المجلس بحاجتهم إلى عودة هذا المنصب كان مبررهم المعلن لإعادته هو الحاجة إلى ترتيب عملية إنهاء وجود هذه الوزارة.
لم تخفت حدة المطالبات بإلغاء وزارة الإعلام مع الوقت، ومن الأدلة على ذلك أن اللجنة التأسيسية الموكلة بكتابة دستور جديد لمصر بعد الثورة وجدت لزاما عليها أن ترتب لوجود مؤسسات بديلة للقيام بدور هذه الوزارة أسبغت عليها صفات استقلال شكلية في معظمها، في الوقت نفسه كان من أوائل ما صرح به وزير الإعلام الجديد في أول وزارة شكلها الرئيس محمد مرسي بعد انتخابه، أنه وزير الإعلام الأخير، وعن ممارسات هذه الوزير منذ توليه لمنصبه يدور تقريرنا هذا.
ماسبيرو بالأرقام :
·        تم البدء في إنشاء مبنى ماسبيرو ( مركز الاذاعة والتليفزيون) في 1959 ، وتم الانتهاء من بناءه في 1960.
·        بدء اول يث تليفزيوني من مبنى ماسبيرو في 21يوليو 1960. في عهد وزير الاعلام الدكتور ثروت عكاشة.
·        صدر مرسوم  إتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري في 1970. في عهد وزير الاعلام السيد : محمد فائق.
·        عدد العاملين في ماسبيرو حاليا نحو 40 ألف عامل ( وهو ما يساوي بالتقريب عدد جيوش 3دول عربية ( قطر ، البحرين ، الكويت).
·        عدد العاملين في قطاع الامن بماسبيرو نحو 7 ألاف عامل !!.
·        عدد القنوات التليفزيونية التي تبث من ماسبيرو نحو 30قناة تليفزيونية.
·         عدد المحطات الاذاعية نحو 9 شبكات إذاعية نصدر عنها عشرات الخدمات ومنهم شبكة واحدة تصدر عنها 29 خدمة.
·        حجم الديون على ماسبيرو نحو 13,5 مليار جنيه.
·        رغم الخسائر التي يعانيها ماسبيرو ،نتيجة لعدم اصلاحه ، فرأس ماله من قدرات بشرية وأدوات وإسم  وممتلكات تزيد عن 50مليار جنيه.
·        حجم التفاوت بين أقل راتب وأعلى راتب في ماسبيرو يبلغ نحو  600ضعف !.
·        عدد رسائل الدكتوراة التي تناولت أداء جهاز الاعلام الرسمي بينها ماسبيرو واصلاحه يزيد عن 20رسالة دكتوراة.
·        يبلغ عدد قنوات النايل سات التي تسهم بها وزارة الاعلام نحو 680قناة  وراديو.

هذا التقرير


المقدمة التاريخية السابقة كانت ضرورية لوضع إطار لتقريرنا هذا يوضح أهدافه، فليس الغرض الوحيد من التقرير سرد مجموعة من ممارسات وزير الإعلام الحالي وممارسات مرؤوسيه القائمة على سياساته والتي تمثل في أغلبها انتهاكات لقيم الاعلام الحر أو المستقل ، مع أهمية ذلك وكونه المحور الأساسي للتقرير. ولكن الهدف الأكثر أهمية من رصد تلك الانتهاكات هو وضعها في سياق مفهوم السيادة الإعلامية الذي ما زالت الدولة المصرية تتبناه من خلال نظام جديد يفترض برأسه أن يكون أول رئيس منتخب لمصر بعد ثورة قامت ضد الاستبداد ومظاهر الدولة البوليسية الشمولية.
من الناحية الحقوقية يتقاطع مصطلح "حرية الإعلام" مع العديد من الحريات والحقوق الأساسية تبدأ بحرية الرأي وحرية التعبير وصولا إلى الحق في تداول المعلومات والوصول إليها، وفي مقابل مبدأ السيادة الإعلامية كركيزة للدولة بمفهومها الشمولي تقوم حرية الإعلام مع حرية الصحافة بدور أحد الركائز الأساسية للدولة المملوكة لمواطنيها بمفهومها الديموقراطي، حيث يكون وصول المواطن إلى المعلومات الصحيحة عن الشأن العام، واطلاعه على الآراء المختلفة والمتعارضة أحيانا حول سياسات إدارة الدولة، جزءا أساسيا من حقه في المشاركة في الحكم بالسبل التي تتيحها أدوات الديموقراطية.
السؤال الذي يسعى هذا التقرير للإجابة عنه إذن هو "هل تعتبر ممارسات وزير ووزراة الإعلام الحالي مؤشرا لتوجه النظام المصري الجديد بعد الثورة نحو تحقيق هدف تحرير الإعلام ليكون أحد ركائز الدولة الديموقراطية ، أم أنها على العكس من ذلك تشير بوضوح إلى استمرار تبنى مبدأ السيادة الإعلامية الذي تقوم عليه الدولة الشمولية؟"
بصفة عامة لم تطرأ على منظومة الإعلام المملوك للدولة أية تغييرات هيكلية، وهو ما يشير إلى أن وزير الإعلام الحالي لم يكن على أجندته بأي حال إعادة رسم السياسة الإعلامية للدولة وإنما انحصر دوره الملموس في الإدارة اليومية للجهاز البيروقراطي لماسبيرو. ومن خلال أدوات هذا الجهاز واجه الوزير مظاهر تمرد العديد من العاملين بماسبيرو على الدور القديم له كأداة بروباجندا للنظام الحاكم، إلى جانب مظاهر احتجاجاتهم المطلبية التي تصاعدت في سياق حراك موظفي الدولة وغيرهم فيما بعد الثورة. وعلى عكس ما قد يفترضه كثير من المتابعين للشأن الإعلامي، فإن مظاهر التمرد هذه هي ما يفسر تصاعد معدل الانتهاكات الممارسة ضد العاملين بماسبيرو، وليس سعي الوزير لتعديل سياسات المبنى بشكل جذري في إطار ما يسمى بالأخونة.

أمثلة لانتهاكات حرية العمل الإعلامي بماسبيرو في 8 شهور


منذ تولى السيد "صلاح عبدالمقصود" مهام منصبه كوزير للإعلام – خلفا للواء احمد أنيس-  في إطار وزارة الدكتور "هشام قنديل" في 2 أغسطس 2012، تعرض أكثر من 28 من إعلاميي ماسبيرو لأشكال مختلفة من التضييق باستخدام أدوات الإدارة البيروقراطية تراوحت بين الإحالة للنيابة العامة في حالة واحدة (8 إعلاميين) والتحويل للتحقيق الإداري مع توقيع جزاءات تعسفية بالخصم من الراتب والوقف عن العمل والمنع من دخول مبنى الإذاعة والتليفزيون وإلغاء البرامج أو تغيير صفتها من برامج تبث على الهواء إلى برامج مسجلة في 18 حالة مختلفة. وفي ما يلى نعرض لما تم رصده من تلك التضييقات مصنفة حسب وظيفتها في خدمة هدف الحفاظ على دور الجهاز الإعلامي الحكومي كأداة دعاية للنظام الحاكم.

1– محاصرة المعارضين والتضييق عليهم


في دولة تهتم بالسيادة الإعلامية يكون جهازها الإعلامي مؤسسة ذات حساسية خاصة لا مكان فيها للتسامح مع المعارضين أو مع مظاهر الاحتجاج المطلبي التي يمكن قبولها على مضض في غيره من المؤسسات. وبالتالي سنلاحظ أن أكثر الإجراءات حدية تم اتخاذها ضد من يعرف عنهم معارضة النظام أو من تكررت مشاركتهم في فعاليات احتجاجية للمطالبة بتحسين ظروف العمل بماسبيرو. ومن المهم ملاحظة أن تحديد المعارضين في هذا الإطار لم يختلف باختلاف النظام الحاكم مما يؤكد أن مشكلة السلطة تتعلق بممارسة المعارضة بأي شكل كأمر لا يمكن التهاون في مواجهته.
وقد شملت مظاهر المعارضة التي عوقب بسببها إعلاميون (المشاركة في فعاليات احتجاجية – التعبير عن معارضة النظام بشكل صريح – التعبير عن رأيهم في طريقة العمل داخل ماسبيرو – ترديدهم لعبارات تستخدم في الاحتجاجات!).
-         في شهر فبراير من عام 2012، قام وزير الإعلام السابق ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق ورئيس القناة الأولى السابق بتحرير محضر رسمي ضد ثمانية من الإعلاميين العاملين بماسبيرو يتهمونهم فيه بإهدار المال العام من خلال تعطيلهم للعمل بأحد الأستوديوهات والتجمهر أمامه.
الواقعة في الأساس كانت تتعلق بمطالب لتعديل هياكل الأجور وتحقيق العدالة بالمساواة بين العاملين في وظائف متماثلة بين قطاعات التليفزيون المختلفة. وقد أدى التفاوض بين الإدارة وبين المحتجين حينها إلى حفظ التحقيقات الداخلية التي كان يفترض إجراءها، وكذا تم تجميد تحقيق النيابة العامة بناءً على المحضر المذكور، مع الاستجابة لبعض المطالب من خلال تعديل لائحة الأجور.
بعد عام كامل وفي عهد وزير الإعلام الجديد فوجئ الإعلاميون الثمانية باستدعائهم من قبل نيابة بولاق أبو العلا للتحقيق معهم في القضية رقم 397 لسنة 2012، الخاصة بهذا المحضر،  وهم علي أبو هميلة، مدير عام قناة النيل للدراما، وخالد العشري مخرج بالقناة الثالثة، وسمية الشناوي، كبير المراسلين بقطاع الأخبار، وهبة عز العرب مذيعة بالقناة الثالثة، وتامر جالهوم، مخرج بالقناة الثالثة، وعبد اللطيف أبو هميلة، مخرج بالقناة الثالثة، وعصام السعيد كبير المعدين بالتليفزيون، ومديحة الدسوقي، مدير عام قطاع الأخبار.
-         تم إيقاف مقدمة برنامج الضمير الذي يذاع على القناة الثانية "هالة فهمي" عن العمل وذلك بسبب تقديمها لحلقة من برنامج ظهرت خلالها تحمل الكفن حدادًا علي الدولة بعد منع قضاة المحكمة الدستورية من دخول المحكمة ومحاصرتها من قبل بعض المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، قبل انعقاد المحكمة لإصدار حكمها في الطعن في دستورية القانون الذي تم على أساسه انتخاب مجلس الشوري, وكذلك تشكيل اللجنة التأسيسية الثانية لصياغة الدستور, فضلًا عن قيامها بانتقاد النظام الحاكم.
وقد قام مخرج البرنامج بوقف بث البرنامج قبل نهايته, وصدر قرار بوقف هالة فهمي عن العمل ومنع إذاعة البرنامج بشكل مباشر من رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، رغم أنه غير مختص بإصدار مثل هذا القرار, وتقدمت هالة لاحقا ببلاغ ضد وزير الإعلام بعد صدور قرار منع برنامجها, فضلًا عن منعها من دخول مبني ماسبيرو, إلا في حالة طلبها للتحقيق بمصاحبة  أحد أفراد الأمن, إضافة إلى قرار بخصم عشرة أيام من راتبها.
-         قام اتحاد الإذاعة والتليفزيون بإلغاء برنامج "ستوديو 27" الذي كان يقدمه المذيعان عاطف كامل, وكامل عبد الفتاح على القناة الأولي, وذلك للتخلص منهما بسبب رفضهما المتكرر لتدخل القيادات في البرنامج وتحديد الضيوف الذين ينتمون دائمًا لتيار الإسلام السياسي, وفرض العديد من الأسئلة علي مقدمي البرنامج, وقدد بررت القناة الأولي وقفها للبرنامج برغبتها في استعادة الجمهور للقناة من خلال برنامج توك شو كبير.
-         إحالة المذيعة بثينة كامل للتحقيق بعد خطأ فني بنشرة الخامسة أثناء عرض أحد التقارير الخاصة بأحد جوالات وزير الدفاع, حيث ظهر صوتها فجأة وهي تردد عبارة "شالوا ألدو وحطوا شاهين", وبعد انتهاء النشرة تم إيقافها عن العمل وتحويلها للتحقيق, كما تم إحالتها مرة ثانية للتحقيق على خلفية قراءتها  لأحد النشرات والتي تزامنت مع مليونيه الشرعية والشريعة حيث قالت أثناء استكمالها لأخبار النشرة "وما زلنا مع النشرة الإخوانية .. حيث نفت جماعة الإخوان الأنباء التي ترددت حول محاصرة الإخوان للمحكمة الدستورية العليا", وهو ما ترتب عليه إيقافها عن العمل لقرابة الشهرين قبل أن تعود للعمل بعد خصم عشرة أيام من راتبها, وذلك فضلًا عن التحقيق معها بصورة غير رسمية بعد ترديدها عبارة "عيش حرية عدالة اجتماعية" أثناء ختام نشرة الساعة التاسعة.
-         إحالة المخرج "علي غيث" – المعروف بمهاجمته الدائمة لسياسات الإخوان المسلمين ووزير الإعلام- رئيس إدارة البرامج الثقافية بالقناة الأولي للتحقيق, بسبب هجومه علي وزراء إعلام سابقين (صفوت الشريف, وأنس الفقي) من خلال "الفيسبوك", وعقابه بخصم 15 يومًا من راتبه.
-         إحالة المذيعة انتصار الغريب بإذاعة الشباب والرياضة مقدمة برنامج إنسان بدرجة فنان للتحقيق معها, وذلك علي خلفية ترديدها عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام", فضلًا عن خصم 50% من حوافزها, وبرر عمر عبد الخالق رئيس شبكة الشباب والرياضة الخصم بعدم تسجيل المذيعة لحلقة جديدة.

2 – عدم السماح بتمرير أصوات معارضة للنظام

الجهاز الإعلامي كأداة للبروباجندا قد يسمح بتقديم أصوات ناقدة ولكنه لا يسمح بتمرير الصوت المعارض بحدة للنظام بصورة تنال من الصورة المثالية له أو تخترق خط الدفاع الأول لهذه الصورة والمتمثلة في هيبة النظام ورموزه. ولذلك يهتم من يديرون هذا الجهاز باختيار ضيوف البرامج وما يصدر عنهم حتى في أدق تفاصيله. وعادة يتعرض الإعلاميون للعقاب بسبب استضافة شخص بعينه أو بسبب ما يعد تهاونا منهم بالسماح للضيف بقول ما يعتبر مسيئا للنظام أو رموزه دون تعقيب. من أمثلة ذلك:
-         إحالة فريق برنامج نهارك سعيد للتحقيق وهم مقدمة البرنامج سارة حنفي, والمعدة تغريد الدسوقي, والمخرج ريمون فؤاد, وذلك بعد استضافة البرنامج مدير تحرير جريدة الكرامة "عماد صابر" في فقرة الصحافة, والتي أنتقد فيها أداء الحكومة والمؤسسة العسكرية في التعامل الأمني في سيناء وحزب الحرية والعدالة, وتحدثه عن مشروع النهضة والمائة يوم الأولي من حكم الرئيس مرسي.
-         إيقاف المذيعتين عزة الحناوي وهبة عز العرب مقدمتا برنامج "مع الناس" بالقناة الثالثة, عقب إذاعة حلقة كانت تتحدث عن الاستفتاء على الدستور، بالإضافة إلى مناقشة المؤتمر الخاص بالمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين "محمد بديع"، الذي قام خلاله المرشد بسب الإعلاميين قائلًا: «أنتم آكلين السحت، ولكم الويل على ما تفعلوه»، وكان ضيف الحلقة الكاتبة الصحفية "فريدة الشوباشي"، وفي تعليقها على المؤتمر، استنكرت سياسات الرئيس د. "محمد مرسى"، وانتقدت الأوضاع والسياسات التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما لم ترض عنه رئيسة القناة سوزان حامد والتي أمرت بقطع الاتصال والخروج بفاصل, وبعد الفاصل جاءت مكالمة تليفونية من أحد أعضاء حزب الحرية والعدالة( عبد الظاهر مفيد), والذي قام بتوجيه السباب للكاتبة دون التطرق لموضوع الحلقة, فضلًا عن استفساره عن اسم (مقدمة البرنامج) لتقديم شكوي بحقها لوزير الإعلام, ثم نعت عضو مجلس الشعب عن الحزب الحاكم كل إعلاميي ماسبيرو بأنهم من "لاعقي حذاء الرئيس المخلوع مبارك", ثم أبدت رئيسة القناة استياءها من الحلقة, ووصفت مقدمتي البرنامج بأنهما نموذجان سيئان, وقد تم التحقيق مع عزة ثلاث مرات، تم في الأولي استدعائها من قبل رئيس قطاع الإقليميات وفي الثانية من قبل إسماعيل الششتاوي رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون بتهمة تعمد إهانة المرشد والأخيرة أيضا من رئيس القطاع ولكن بتهمة رفضها تقديم برنامج مسجل, وتقدمت عزة ببلاغ يحمل رقم 2921 ضد كل من وزير الإعلام، ورئيس القطاع، ورئيسة القناة، لإحالة ملف التحقيق إلى النيابة الإدارية بالتليفزيون المصري, وقد تم الخصم من مرتبها مرتين.
-         إحالة المذيعة "ماجدة القاضي" مقدمة برنامج "ستوديو مصر" علي قناة "نايل سينما", بتهمة الخروج عن النص, على خلفية استضافتها في أحد حلقات البرنامج يوم 2 نوفمبر، الفنان محمود قابيل, وسؤاله عن مدى تمتع الرئيس مرسي بكاريزما من عدمه, فأجاب قابيل بعدم امتلاك الرئيس مرسي أي كاريزما, وقد تم وقفها عن العمل حتي بعد نقلها لقناة "نايل لايف", وقد تم إعادة حلقة البرنامج بعد "منتجتها" وحذف المقاطع الخاصة بالرئيس محمد مرسي.
-         إحالة المذيعة "ريادة سمير" بشبكة الشباب والرياضة الإذاعية للتحقيق الإداري علي خلفية شكرها لمتصل كان ينتقد الرئيس محمد مرسي قبل أن يقوم الكنترول بقطع الاتصال عنه, مما دفع المذيع لتوجيه الشكر للمتصل واستكمال البرنامج حيث رددت عبارة "نشكر المتصل وهانكمل البرنامج عادي", وقد قررت الشئون القانونية خصم الحوافز الشهرية للمذيعة, ومنعها من تقديم برامج بشكل منفصل.

3 – عدم السماح بما يمس صورة النظام ومسؤوليه


إضافة إلى النماذج السابقة والتي يتداخل فيها تمرير الصوت المعارض للنظام بالمساس بصورته فإن حتى النقل المحايد لممارسات مسؤولي النظام التي تمثل إحراجا له يعتبر خطأ يتحمل مسؤوليته من نقله.
-         النموذج الأبرز لذلك كان إحالة المخرج المنفذ الذي قام بالإشراف علي الحلقة الخاصة من برنامج "واجه الشعب" التي تم إذاعتها من مجلس الوزراء أثناء الجلسة التي عقدها الدكتور هشام قنديل مع عدد من قيادات ومذيعي التليفزيون المصري  التي أدلي فيها قنديل بتصريحات أثارت كثير من الجدل حول النظافة الشخصية للسيدات, للتحقيق بناءً علي تعليمات من وزير الإعلام صلاح عبد المقصود.
-         ويمكن أيضا إدراج التعليقات العفوية لأحد المذيعين على الهواء مما يشتم فيه السخرية من سياسات الحكومة ومن أمثلة ذلك  إحالة مقدمة برنامج "الشارع السياسي" على القناة الفضائية المصرية  المذيعة "مني خليل" للتحقيق وذلك خلفية ترديدها جملة "واضح أن الترشيد ابتدى" وذلك عند عودة التيار الكهربائي بعد انقطاعه عن الأستوديو أثناء حديثها مع ضيوف البرنامج الذي يبث علي الهواء مباشرة عن قرض صندوق النقد الدولي وكيفية سداده.

4 – التداخل في أدوار مسؤولي الإدارة والمسؤولين الحزبيين للحزب الحاكم


لا يعد ذلك هدفا بالتأكيد بقدر كونه أحد مظاهر طبيعة الجهاز الإعلامي كأداة للنظام تابع لحزبه الحاكم مما يسمح للمسؤولين الحزبيين بالتعامل مع موظفيه بإملاء الأوامر أو بالتهديد أو بأي طريقة خارجة عن القواعد الطبيعية دون أن تهتم الإدارة بمواجهة هذا السلوك. من أمثلة ذلك:
-         تعرض مقدمي برنامج ستوديو 27 على القناة الأولي يوم 10 ديسمبر 2012 أثناء الحلقة التي أذيعت عقب الوقفة الاحتجاجية التي قام بها إعلاميو ماسبيرو ضد سياسات وزير الإعلام وإدارته لاتهامات بعدم المهنية و"انعدام الأخلاق" من أحد قيادات "الحرية والعدالة" الذي اتهمهم بأنهم مأجورون وغير حياديين، وقال لهم: "أنتهم تتظاهرون ضد صلاح عبد المقصود، وهو لازم يظهر المبني منكم لأنكم غلط وكاذبون".
-         اتهام أحد قيادات حزب الحرية والعدالة للمذيعة أيتن الموجي مقدمة برنامج "مباشر من مصر" على الفضائية المصرية بعدم الحيادية المهنية, فضلًا عن سبها وإهانتها حيث قال لها "أنا هجيبك من شعرك وهسحلك علي الأرض".
-         توجه أحمد سبيع المتحدث الرسمي لحزب الحرية والعدالة بالتعنيف وتوجيه اللوم الشديد لكل من طارق حسن ومنال حجازي أثناء تقديمهما لحلقة من برنامج "مع الناس" الذي يذاع علي القناة الثالثة  حيث قال لهما بأسلوب شديد اللهجة " أنا مستغرب أنتم ازاي بتعملوا كده وازاي صلاح عبد المقصود ساكت عليكوا وأنتم تليفزيون الحكومة والمفروض أن تساندوا كل قرارات الحكومة والرئيس دون تفكير" ثم أغلق الهاتف في وجههما، فأوضح المذيعين أن الإعلام الرسمي للدولة هو ملك الشعب وليس ملك الحكومة.
-         تعرضت  المذيعة منال حجازي في حلقة جديدة من برنامج "مع الناس" لموقف أخر من أحد قيادات الحرية والعدالة في مداخلة هاتفية منه للسب والقذف والإهانة حيث تحدث فيها عن معتصمو الاتحادية قائلا: إنهم يمارسون الدعارة ويشربون المخدرات الأمر الذي تصدت له حجازي معلنة عن رفضها لهذه الاتهامات والإهانات  غير المستندة علي دليل واضح مما أثار غضب القيادي الإخواني قائلا لها: "أنتهم إعلام غير محترم وأنتم تحاربون الدستور وشرعية الدولة لأنكم تشبهون هؤلاء المعتصمين عند الاتحادية" ثم أغلق الهاتف في وجهها.

خاتمة


برغم أن العمل الإعلامي يتصف في الظاهر بالعلانية من حيث كون منتجه دائما متاح لأعين وآذان المتابعين إلا أن الحقيقة هي أن ما يدور في كواليسه مما لا يتاح لمن خارجه رؤيته هو دائما أكثر كثيرا مما يدور في الواجهة. وفي جهاز بيروقراطي ضخم يتاح لمن يديره كثير من الأدوات التي يبدو استخدامها روتينيا ولا يسترعي الانتباه فإن قليلا فقط من الممارسات التي تعد انتهاكا للحقوق وتضييقا على الحريات هو ما قد يخرج للعلن، فبينما يرصد هذا التقرير عددا كبيرا من حالات التحويل للتحقيق وتوقيع الجزاءات وغيرها، فإن إجراءات تبدو روتينية مثل النقل من موقع وظيفي إلى آخر وتعديل خريطة البرامج بإحدى القنوات وتعديل فريق العمل بأحد البرامج إلخ قد تنطوي على عقوبة موجهة لشخص أو أكثر، كما أنا التعميمات الإدارية المكتوبة والأوامر الشفاهية المتناقلة وتقارير المتابعة وغيرها تستخدم في كثير من الأحيان لفرض قيود على حرية العمل الإعلامي أو لتوجيه الرسالة الإعلامية.
إن ما يعرضه هذا التقرير يوجه النظر في شق منه إلى حالات واضحة من التعسف الإداري تعرض لها إعلاميون لممارستهم عملهم في حدود المهنية ومن ثم فكل منها على حدة تمثل انتهاكا لحرية العمل الإعلامي، ولا ينبغي الانجرار إلى تصور هذه الحالات على أنها انعكاس لشخصية مسؤول ما وحالته المزاجية، رغم أن ذلك قد يؤثر في أسلوب تناول المسؤول لكل حالة وسلوكه الذي قد يتصف بالفجاجة، ولكن ما يمثله مجمل هذه الحالات بوضوح هو سعي إلى تأكيد مبدأ السيادة الإعلامية للدولة من خلال إحكام السيطرة على الرسالة الإعلامية لوسائل الإعلام المملوكة لها، وعند إضافة استمرار ممارسة الدولة للسيطرة غير المباشرة على الإعلام غير الحكومي من خلال قوانين الاتصالات والاستثمار وغيرها، فإننا أمام مناخ عام من تقييد حرية الإعلام لا يختلف في طبيعته عما عاشته مصر ما قبل الثورة.
ما ينبغي إدراكه هو أن شخص المسؤول (في هذه الحالة وزير الإعلام الحالي) ليس في ذاته الإشكالية الرئيسية، وإنما طبيعة النظام الحاكم وتصوره لوظيفة الإعلام في الدولة، وكذا الآليات القانونية والدستورية التي تتيح لأي نظام حاكم قدرا من السيطرة على وسائل الإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى مستوى آخر فإن حجم الجهاز الإعلامي والطبيعة البيروقراطية لإدارته هي في ذاتها عامل حاسم في مدى ما يتمتع به العاملون فيه من حرية في ممارسة عملهم.
في المحصلة فإن تحقيق الحرية الإعلامية مع الاحتفاظ بحق الشعب المصري في أن يكون له جهاز إعلامي غير تابع للسلطة وليس أداة لمصالح الرأسمالية المحلية أو الخارجية يتطلب التحرك على مساريين متوازيين:
يتعلق المسار الأول بمواجهة محاولات النظام الحالي لإحكام سيطرته على الإعلام المملوك للدولة من خلال التخلص من مظاهر التمرد داخله، وعلى هذا المسار لابد أن تتوحد جهود المجتمع المدني وبخاصة الحقوقي مع جهود الإعلاميين لدعم من يقاومون هذه المحاولات داخل ماسبيرو. ويحتاج إنجاح هذا المسار أن يكون للعاملين بالجهاز الإعلامي المملوك للدولة كيان نقابي يتمكنون من خلاله من توفير قدر مناسب من الحماية لهم في مواجهة سلطة الإدارة شبه المطلقة حاليا. كما يمكنهم من خلاله إدارة مساعيهم لتحقيق ظروف عمل أفضل، والضغط لمنحهم مشاركة أكبر في الإدارة.
المسار الثاني يتعلق بتحديد رؤية واضحة لطبيعة الجهاز إعلامي المملوك للشعب والذي يمثل أداة الوصول إلى المعلومات ويكون أحد ركائز الممارسة الديموقراطية، ولهذا المسار محوران أساسيان هما:
1.      الاستقلال التام عن سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والتي يتحكم فيها سياسيون يمثلون أغلبية سياسية لتوجه أيديولوجي أو آخر، ويتطلب تحقيق هذا الهدف توفير الضمانات الدستورية والقانونية لهذا الاستقلال وأهم من ذلك توفير الضمانات العملية له، ولا يمكن تصور أن يتحقق ذلك دون التوصل إلى مسار للخروج من الأزمة السياسية الحالية يقود إلى إرساء شروط ممارسة ديموقراطية حقيقية.
2.      إعادة هيكلة هذا الجهاز الإعلامي للتخلص من ترهله البيروقراطي وهرميته التي تخنق المبادرة الفردية وتتيح أدوات تسمح بالتعسف وفرض قيود على عمله الإعلامي. وقد بادرت مجموعات عديدة لتقديم رؤى مفصلة لتأسيس مجلس أو هيئة للاعلام ، على غرار التجارب المتقدمة التي مازال بها اعلام رسمي ، يتكون من مجلس أمناء يشكل من (رئيس الجمهورية ، مجلس الشعب ،المجتمع المدني ، والشخصيات العامة ). بشكل يعكس توازن المصالح والقوي وتعكس الإطار الديمقراطي في المجتمع وتخضع للتقويم وللتعديل المستمر وبعد استخلاص العبر من التجارب في الدول التي تنطوي علي وسائل اعلام ذات ملكية عامة
 فماسبيرو العتيق الذي يعمل به أكثر من 40 ألف موظف لا يمكن تصور أن يدار بشكل مركزي دون أن تكون إدارته شديدة البيروقراطية، ومن ثم أحد أهم أهداف أي مشروع لإصلاح هذا الجهاز ينبغي أن يشمل هيكلته بحيث يتحول إلى مؤسسة لا مركزية تستقل قطاعاتها المختلفة في إدارة شؤونها الداخلية وتتحرر من اللوائح وقواعد العمل البيروقراطية.



مراجع :
وزارة الاعلام : http://www.moinfo.gov.eg/index.php
لائتلاف الوطني لحرية الإعلام : http://ncmf.info/
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان : http://www.anhri.net/press/2008/pr0213.shtml
اتحاد الاذاعة والتليفزيون ، الموقع القديم : http://www.egyptradio.tv/   ، الموقع الجديد : http://ertu.org/1/index.asp

شركة النايل سات : http://nilesat.com.eg/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق