الاثنين، 27 أكتوبر 2014

 إيـران: لـن نسمـح بتقسيـم العـراق ولا بإسقـاط الأسـد..

c6af9f17-683a-4bad-9f95-8d75920d66a9_16x9_600x338

أحمد الشرقاوي

شريحة واسعة من مناصري محور المقاومة تعتقد أن العراق بات بحكم المقسم الى ثلاث دويلات، كردية، سنية، شيعية، والسؤال الذي يطرحه هؤلاء بقلق كبير هو: – هل يريد تحالف واشنطن تطبيق نفس التقسيم في الجمهورية العربية السورية؟!.. وماذا سيفعل محور المقاومة تجاه هذا المخطط التدميري الذي يستهدف كل مكوناته، من فلسطين إلى اليمن مرورا بلبنان وسورية والعراق؟!..
هذا سؤال كبير لم يكن الجواب عنه واضحا حتى اليوم، وإن كان المؤمنون بعقيدة وقدرة ودهاء محور المقاومة، لهم قناعة راسخة بأن تكتلا متماسكا من هذا النوع والحجم ومدعوما من روسيا والصين، يدافع عن الحق وعن النفس، وفق رؤية تؤمّن للشعوب المستضعفة الوحدة والسيادة والمناعة ضد الأطماع الإستعمارية الجديدة والتخريب الصهيوني للحمة الأمة.. لا يمكن إلا أن ينتصر بإرادة رجال الله التي هي من إرادة الله.. إلا أن هاجس الخوف كان يتملك الجميع، خصوصا لجهة غموض الدور الروسي والإيراني الرسمي قبل اليوم.
وواقع الحال، أنه لم يكن من الممكن أن يعلن محور المقاومة المواجهة مع أمريكا وحلفها قبل أن يتبين بالملموس على الأرض، الجانب المظلم من إستراتيجية ‘أوباما’ للحرب على الإرهاب.. لذلك، كان المسؤولون الإيرانييون والروس أيضا، يرحبون بأي تحالف دولي يكون هدفه محاربة الإرهاب قولا وفعلا، لكن تحت قيادة الأمم المتحدة لا أمريكا.. وفي هذا رسالة لإدراة ‘أوباما’ مؤداها، نحن نشك في نواياكم وأهدافكم الحقيقية، خصوصا وأن حلفكم تشكل من الدول التي مولت وسلحت ودعمت الإرهاب، ولم يأخذ بالإعتبار الدول التي تحارب الإرهاب بالفعل على الأرض.. وإذا شأتم محاربته بمعرفتكم وشروطكم، فلا مانع لدينا، لكن أن يكون ذلك بقرار من مجلس الأمن أو ترخيص رسمي من سورية التي تقولون أنكم تريدون محاربة الإرهاب فوق أراضيها، غير ذلك، سيعتبر إنتهاكا للسيادة وعدوانا على دولة تعتبر عضوا مؤسسا للأمم المتحدة، ما سيكون له تداعيات وخيمة على الأمن والسلم في المنطقة والعالم.
هذا الخطاب السهل الممتنع، اعتبر رسالة شاملة جامعة مانعة تقول ما لا تعلن، وتعلن ما لا تقول.. وبالتالي، وضعت ‘أوباما’ وإدارته وتحالفه أمام معضلة كبيرة، تبين على إثرها أن ‘أوباما’ لا يملك إستراتيجية ولا من يحزنون، وأنه أدخل بلاده مقامرة قلب خرائط المنطقة إعتمادا على من مولوا الإرهاب ودعموه، ليساعدوه على تنفيذ مشروعه بأموالهم وقواعدهم ومقاتليهم، بل وحتى بجيوشهم في حال تطورت الأمور لمستوى الخطر الشديد، وهو بذلك (أي أوباما)، يشبه العُقاب العجوز العاجز، الذي ينتظر من الوحش الضاري إسقاط الفريسة على الأرض، لينقض هو عليها وهي جريحة منهكة، لا قدرة لها على للدفاع عن نفسها.
وبعد شهر من التجربة على الأرض، اتضحت الصورة بجلاء، وتبين أن 450 صاروخ باليستي من نوع “توما هوك” تم إطلاقه حتى الآن، والنتيجة قتل 11 إرهابي من داعش.. فكم كلف كل داعشي بالدولار، خصوصا إذا أضفنا لهذا الرقم 341 طلعة جوية وآلاف الواريخ جو – أرض التي استعملت، ويقال أنها قتلت حوالي 80 بين مدنيين وإرهابيين؟.. وهو ما دفع بالمسؤولين العراقيين للقول أن النتيجة الأولية لحرب حلف واشنطن على الإرهاب في العراق هي صفر، وأن أمريكا تخلت عن معقل دولة “داعش” في العراق وراحت تضرب مواقع فارغة في سورية، ما يؤكد أن الهدف من الحملة الصليبية الجديدة، هو إسقاط سورية من البوابة العراقية في الشرق، والتركية في الشمال، والأردنية – الإسرائيلية في الجنوب.
النتيجة الإيجابية الوحيدة لما تحقق حتى الآن، هو ما أعلنه لوبي صناعة السلاح في أمريكا الجمعة، حيث قال، أن الحرب على الإرهاب في العراق وسورية شكلت فرصة ذهبية للصناعة العسكرية الأمريكية، والنتائج مرشحة لأن تكون أفضل كثيرا حين تبدأ الولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا بتجديد تراسناتها العسكرية التي ستستنفذها في هذه الحرب الطويلة.
لكن الفضيحة التي انفجرت في وجه أمريكا وحلفها “السني” كما أرادته أن يكون، هي قضية الأكراد في ‘عين العرب’، والذين تركوا لقدرهم يواجهون الموت والحصار، بل وثبت الجمعة، أن “داعش” استقدمت تعزيزات وأسلحة جديدة من مخازن بالشمال السوري إلى ‘عين العرب’ تحت أنظار قوات التحالف “الدولي” دون أن تحرك هذه الأخيرة ساكنا، واكتفى وزير الخارجية الأمريكي بالقول “إنها مأساة، لكنها لا تؤثر على إستراتيجيتها في المدى البعيد”، وهذا يعني بالسياسة أن ذبح الأكراد لا يمس مصالحنا بل يخدمها ويتيح لتركيا تفريغ المنطقة العازلة منهم، لتحويلها إلى قواعد تدريب وانطلاق للمعارضة السورية الجديدة.
وعليه، تؤكد واقعة “عين العرب”، أن “السنة” الذين تحالفت معهم أمريكا هم “التكفيريون الوهابيون” و”الإخوان المجرمون”، وأن السنة الأكراد كما الإيزيديين والمسيحيين وغيرهم… ليس من أولوياتها حمايتهم، ولا يهمها مصيرهم حتى لو ذبحتهم “داعش” كالنعاج.. لأن أمريكا ليست جمعية خيرية، وهذا أمر واضح، ويمثل منتهى الوضاعة والخسة والإنتهازية الفجة..
ثم تصاعد الحديث عن مناطق عازلة في الشمال السوري والجنوب السوري – اللبناني، وبدأت طبول الحرب البرية تقرع في تركيا وباريس، فدخل الحلف الأطلسي على الخط، لدراسة كيفية المشاركة في هذا التدخل وحماية تركيا في نفس الوقت من أي تعاديات على أمنها بالمظلة الأطلسية.. والخطورة، تكمن في تصريح البيت الأبيض الجمعة، والذي قال فيه أن وفدا من كبار المسؤولين العسكريين سيتجهون الأسبوع المقبل إلى تركيا، لدراسة قضية تدريب المعارضة المسلحة المعتدلة، ما يعني ضمنا، التحضير للمنطقة العازلة، لكن بدل إقامتها من خلال التدخل العسكري التركي البري، يمكن إقامتها بالوكالة من خلال تمكين المعارضة المسلحة من فرضها على الأرض بإسناد الحلف بعد إعلان تركيا رسميا الإنضمام إليه، وبذلك يتحقق شرطها بطريقة غير مباشرة.
وكان وزير الدفاع التركي قد حذر قبل يومين كل من يهمه الأمر، أن تركيا ستطالب بتفعيل البند 50 من إتفاقية الحلف الأطلسي للدفاع عنها في حال تعرضت لهجوم.. لكن، فات هذا الوزير الغبي، أن إعتداء تركيا على أرض الغير يجعلها خارج هذه الحماية، وأن تفعيل إيران وروسيا لإتفاقية الدفاع المشترك مع سورية، هو حق يمارس في إطار القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، ولا يستطيع ‘الناتو’ المغامرة خارج الشرعية لما ستجلبه عليه هذه المقامرة من إحتجاجات شعبية في أمريكا وأوروبا، ولما قد يكون لمثل هذا التدخل من تداعيات على المنطقة والعالم، لأنه يبشر باحتكاك عسكري مباشر بين الكبار، وهذا لعمري خط أحمر حتى الآن على الأقل، ولا يرغب أحد في تجاوزه مهما كانت الظروف.
هذا التقويم الأولي لشهر من الحرب على الإرهاب، كشف بعضا من معالم مشروع ‘أوباما’ للمنطقة، وقد سبق لسماحة السيد أن وضع تصورا قاتما لما سيكون عليه الوضع في خطابه ما قبل الأخير.. وبالتالي، أن يقول سيد المقاومة أننا مقبلون على معركة وجود ومصير، فهذا يعني، أننا دخلنا في أتون فتنة مذهبية تحضر للمنطقة، لن يكون بمقدور المسلمين سنة وشيعة، النهوض منها بعد ذلك.. حينها، قد يعود الإسلام غريبا كما بدء غريبا، فطوبى للعرباء كما قال الرسول الأعظم (ص)، ما دام الكلام الذي يروج اليوم هو عن حروب دينية تدوم لعقود على شاكلة الحروب الدينية في أوروبا، بعد أن نجحوا في التسلل إلى عقيدة المسلمين البسطاء والعبث بها، بفضل السلفية الوهابية وتعاليم الإخوان المجرمين.
وإذا كانت إيران وروسيا يشككان علنا في نوايا التحالف ويقولان أن الإستراتيجية الأمريكية تتسم بالغموض، إلا أنهم كانوا، ومن باب العقلانية السياسية، ينتظرون بداية تنفيذ الخطة على الأرض، قبل إتخاذ قرار المواجهة بناء على معطيات الميدان، التي تعتبر ترجمة فعلية للأهداف الأمريكية الحقيقية.
منذ البداية، كان واضحا أن القصف الجوي لن يكون فاعلا ولا ناجعا في القضاء على الإرهاب، وأنه من دون جيش قوي على الأرض، لا يمكن الحديث عن شيىء إسمه محاربة الإرهاب. وهو الأمر الذي اعترف به جنرالات أمريكا وعديد الساسة والخبراء في الغرب، ما اضطر ‘أوباما’ للعودة إلى نغمة تدريب “المعارضة السورية المسلحة المعتدلة” التي اثبتت فشلها خلال ما يناهز الأربع سنوات من الخراب.
وما أن أعلن ‘أوباما’ عن هذه المقاربة القديمة الجديدة والفاشلة، حتى سارع محور المقاومة لتشكيل جيش سوري رديف من الشباب المتحمس بلغ عديده حتى الآن 100 ألف مقاتل، وتدريبه على تقنيات حرب العصابات التي يعتبر حزب الله والحرس الثوري وحركات المقاومة في المنطقة مدرسة متطورة على مستوى العالم في هذا المجال.
العراق سبق سورية، وشكل جيشا رديفا لا يعلم إلا الله عديده، مساند من قبل فصائل المقاومة الإسلامية ولجان الدفاع الشعبي والعشائر. والمدهش في العراق الذي تعتبره إيران عمقا إستراتيجيا لن تسمح لأمريكا بالسيطرة عليه، أن المستشارين الأمريكيين الذي جابوا البلاد بحثا عن متطوعين من العشائر السنة لتشكيل جيش وقوات أمنية تكون تابعة للقيادة الأمريكية لا الحكومة العراقية، فشلوا فشلا ذريعا في المهمة.. والسبب، أنهم اكتشفوا أن الذي يقاتل الإرهاب على الأرض بعد إنهيار الجيش العراقي، هو جيش رديف، عبارة عن خليط متجانس ومتناغم من عناصر الجيش العراقي الموثوق بهم، وفصائل المقاومة الإسلامية، ولجان الدفاع الشعبي، بتأطير من مستشارين إيرانيين ومن حزب الله يخوضون المواجهات مع الإرهاب باللحم الحي.
هذا الوضع جعل العشائر يشترطون للدخول في اللعبة الأمريكية أن تطلب أمريكا من إيران والحكومة العراقية “إنسحاب الشيعة من القتال”، وهذا أمر مستحيل المنال، ودونه إشعال المنطقة بمرتها.. بمعنى، أن إيران لم تترك لأمريكا وعملائها رقعة أرض يعملون فيها بأمان.. وكلما ضرب الطيران فلولا لـ”داعش” في مكان ما إلا وملأه العراقيون الشرفاء.. وهذه هي لعبة جحى الإيراني والحمار الأمريكي.. والتي تعني، أنتم صنعتم الإرهاب وزرعتموه في المنطقة، فانزعوا أشواككم من الفضاء، أما الأرض فمحرم عليكم وعلى عملائكم السيطرة عليها.
أما في سورية، فسيطبق نفس سيناريو أحجية جحى الشامي مع نفس الحمار الأمريكي والبعير السعودي والقرد التركي، وستكون مهمة هذا الجيش الرديف الجديد المشكل من 100 ألف مقاتل على شاكلة جند الله في المقاومة، مطاردة “داعش” وأخواتها في المدن والقرى والأحراش والمجارير، وخصوصا بمنطقة الشمال، لإجتثات شرهم وإفشال محاولة أمريكا إحتلال سورية بجيش العملاء الذين قالت أنها ستبحث عنهم وتدربهم وتشكل منهم جيشا موازيا للجيش العربي السوري.
وهذه الإستراتيجية العملية والذكية لمحور المقاومة، ستمكن الجيش العربي السوري من التفرغ لمواجهة التصعيد، أو لنقل صراحة التفجير المرتقب مع “إسرائيل” من بوابة الجولان والذي أصبح داهما لا مفر منه بعد أن نضجت ظروفه وتوفرت شروطه.. لأن خطورة المشروع الأمريكي الجديد لسورية، لم يعد يقبل بإسقاط الرئيس “الأسد” فقط من دون المؤسسة العسكرية، بل يستهدف هذا الحصن المنيع الذي أثبت كفاءته وجدارته في الميدان، وأمريكا وأزلامها وعلى رأسهم إسرائيل، لا يقبلون بجيش أثبت ولائه لقائده الأعلى ‘بشار الأسد’، ولشعبه ووطنه وتاريخه وحضارته وقيمه النبيلة، ويشكل خطرا داهما على الكيان الصهيوني المحتل.. لذلك، خططوا لإستبداله بجيش على شاكلة الجيش العراقي بعقيدة أمريكة، ليكون فاشلا، وتقتصر مهمته على لعب دور رجال الأمن في حفظ النظام والإستقرار وحماية العهد الصهيوأمريكي الجديد.
نفس اللعبة تلعب في لبنان، لكن بالسياسة كمقدمة قبل التفجير، لأنه ما أن أعلنت إيران عن تقديم هبة لوجستية عسكرية للجيش اللبناني حتى ثارت ثائرة واشنطن، وهددت الحكومة البنانية بقطع المساعدات الأمريكية والأوروبية عن لبنان إذا قبل بهبة من دولة عليها حصار إقتصادي، متناسين أن الهبة لمحاربة الإرهاب ليست عملية تجارية، بل منحة مجانية لا تشملها قواعد الحصار التجاري. وفجأة أيضا، أعلنت فرنسا أنه تم تفعيل هبة 3 مليار دولار، وأعلن الحريري أيضا أنه باشر تنفيذ هبة مليار دولار، وأن السلاح سيصل لبنان قريبا.. كل هذا، لعدم تمكين الجيش اللبناني من وسائل الدفاع عن لبنان بأسلحة إيرانية، لسبب بسيط، وهو أن مشروعهم يستهدف حرق لبنان وإعادة إنشائه، ليعود الحريري إلى بيروت كالديك المنفوش من مطار دمشق.
أما لماذا قبل 14 سمسار بالهبة السعودية ورفض الإيرانية بالرغم من أن رئيس الحكومة قبل بها ساعة زيارة السيد ‘شمخاني’ الأسبوع المنصرم، فلأن الهبة السعودية تقوي الجيش والدولة وتمكن من نزع سلاح المليشيات بمن فيها حزب الله، أما الهبة الإيرانية فستحول الجيش اللبناني إلى جيش رديف لحزب الله.. وهذه لعبة لن تنجح حتى لو أتوا للجيش اللبناني بالسلاح من المريخ، لا أحد يستطيع تغيير عقيدة جيش بناه رئيس مقاوم ترك بصمته الشريفة في تاريخ لبنان، ونقصد بذلك الرئيس النزيه الذي رفض رشوة بـ 500 مليون دولار من قطر كراتب، شريطة أن يجعل الجيش في مواجهة حزب الله.. وهذا هو ذات المشروع الذي تعمل عليه السعودية اليوم، خدمة لمصالح أمريكا وأمن “إسرائيل” كما أصبح معلوما للجميع.
ومن المهم التذكير هنا، أنه وبعكس الإنسجام والتماسك والوفاء الذي يميز محور المقاومة، تكمن معضلة التحالف الأمريكي في أنه يفتقد للإنسجام بين مكوناته بسبب إختلاف الرؤى السياسية وتضارب الأهداف.. ففي الوقت الذي يتفق فيه الجميع على متلازمة “إسقاط الأسد”، يختلفون في الدور وآليات التنفيذ، حيث تعتبر السعودية الإخوان المجرمين جماعة إرهابية، وتريد تدريب 5 ألف معارض على أراضيها كل ستة أشهر لإدخالها إلى سورية من الحدود التركية لملأ الفراغ الذي سيخلفه قصف “داعش” وفق ما يتوهمون، لكن تركيا ترفض رفضا قاطعا أن تفتح حدودها وتشارك في عملية برية لمساندة فلول الوهابيين السعوديين الجدد، وهي التي حاربتهم وقصمت ظهرهم في سورية بمعية قطر، حين وجّهوا “داعش” وجبهة “النصرة” لسحق “الجبهة الإسلامية” و “الجيش الحر” و”أحرار الشام” وبقية الفصائل الأخرى التي تدعمها مملكة الإرهاب والظلام.
وتشترط تركيا للمساهمة في حرب أمريكا الإستعمارية الجديدة، القبول بأن يتولى “الإخوان المجرمين” مهمة السيطرة على الأرض بدعم وغطاء ناري من الجيش التركي بعد إنشاء منطقة عازلة تكون بمثابة محطة إنطلاق وإمداد وضخ لفلول الإخونجية، وتتعهد أنقرة في حال وافقت واشنطن على مشروعها بأن تسقط الأسد بحرب برية، يتبعها بعد ذلك القضاء على داعش وغيرها في سورية.. لما تمثله سورية بالنسبة لمشروعها الوهمي، بعتبارها البوابة الضرورية لبسط نفوذها على العالم العربي، ولعب دور الشرطي الأطلسي القوي القادر على حماية مصالح أمريكا والسهر على أمن “إسرائيل”..
في حين، تعارض السعودية هذا التوجه، وتشترط للإستمرار في التحالف وتمويله أن يملأ الفراغ من ستدربهم على الولاء بمعرفتها، لتكون سورية والعراق ولبنان من ضمن نفوذها، لا نفود أردوغان الذي يعني نهاية آل سعود من الوجود.
ويبدو من إعلان البيت الأبيض إرسال بعثة أمريكية عالية المستوى إلى تركيا لمناقشة خطة تدريب المعارضة، هو نوع من الترضية التي تقدمها أمريكا لتركيا، وفي حال لم تعترض السعودية وقبلت بالإستمرار في تدريب المعارضة على أراضيها، فقد يكون توجه هذه الأخيرة إلى سورية من الأردن و”إسرائيل”، ما يجعلها أقرب إلى دمشق.. ومعروف عن أمريكا أنها تلعب بالجميع وتخدع الجميع وتفرض في النهاية رؤيتها للتغيير السياسي والجيوبوليتيكي وتوازنات القوى في المنطقة.
والآن نصل إلى المعادلة الجديدة التي أرساها محور المقاومة، وكانت عملية الشهيد ‘حيدر’ في مزارع شبعا المحتلة، منصة لإطلاق مجموعة رسائل تحدثنا عنها بتفصيل في المقالة السابقة، وقلنا في النهاية، أن الرسالة الأهم إن لم تكن الأخطر، هي التي تقول، أن التفجير في سورية سيقابله التفجير في “إسرائيل”، لأنه إذا قررتم حرق الشجرة في سورية فسنحرق من تحت أقدامكم الغابة في كل المنطقة.
ما ذهبنا إليه بالتحليل هنا، جاءت الرسالة الإيرانية اليوم الجمعة، وعلى لسان مساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية السيد ‘حسين أمير عبد اللهيان’، الذي أعلن على هامش ملتقى العراق والتحالف الدولي ضد داعش، الذي أقيم يوم الخميس في معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الاوسط بالعاصمة طهران: “تقسيم العراق والتغيير السياسي في سوريا من مدخل محاربة الإرهاب سيترتب عليه تبعات كثيرة”..
وللإشارة، فتصريحات المسؤولين الإيرانيين من جيش وساسة بشأن قضايا المنطقة، تدخل في إطار الكلام السياسي الذي يعبر عن رأي هذه المؤسسة أو تلك، لكن، عندما يصدر إعلان عن وزارة الخارجية الإيرانية، فالأمر هنا يختلف تماما، لأنه يعبر عن الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
السيد ‘أمير عبد اللهيان’ أكد بذات الإعلان، أن العراق يمثل عمقا إستراتيجيا لإيران لن تسمح بالتلاعب بجغرافيته لتقسيمه، أما بالنسبة لسورية، فالرسالة التي كشف عنها المسؤول الإيراني تحمل نبرة تحدي تصعيدية لا لبس فيها، ومفادها: “اذا كان من المقرر ان تجري سياسة تغيير النظام السوري عبر اداة مكافحة الارهاب فان الكيان الصهيوني سوف لن ينعم بالأمن”.
وتزامن هذا التصريح مع تحذير رسمي أيضا، وجهته إيران لتركيا من تداعيات تدخلها في سورية عسكريا، أو الإستمرار في ضخ المقاتلين عبر حدودها لزعزعة الأمن والإستقرار في سورية والمنطقة.
هذا الكلام المرموز يعني.. أن زر التفجير بيد حزب الله، بدليل عملية الشهيد ‘حيدر’ التي أسقطت معادلة الأمن على إمتداد الحدود الجنوبية من الجولان المحتل إلى مزارع شبعا.
والسؤال الذي يطرحه المراقبون اليوم بعد التحذير والإعلان الإيراني الواضح والصريح، هو: – هل ستغامر أمريكا وتضرب الجيش السوري فجأة بموازات تدخل بري من “المعارضة المسلحة” من الجنوب والشمال للإطباق على دمشق، ما سيؤكد النظرية التي تقول أن الحديث عن حرب طويلة هي مجرد خدعة، وأن الوضع السياسي والأمني والعسكري والإقتصادي الأمريكي لا يسمح بهكذا مغامرة قد تسرع بسقوط إمبراطورية روما الجديدة؟..
الأيام القليلة القادمة كفيلة بالجواب عن هذا السؤال، لكن المؤكد أن الإعلان الإيراني قد وضع خطوطا حمراء لتركيا ولحلف واشنطن لا يمكنهم تجاوزها من دون المقامرة بمصالح أمريكا وتركيا في المنطقة وأمن “إسرائيل”.. ولا نستبعد في ضوء تطور الموقف الأمريكي أن نسمع أخيرا الموقف الروسي الرسمي، والذي نراهن على أنه سيكون تصعيديا أكثر من موقف حزب الله والموقف الإيراني..
أما الرئيس السوري.. فيبدو هادئا، يزاول مهامه ويبتسم لزواره معبرا عن ثقته بجيشه وشعبه ودعم حلفائه اللامحدود لبلاده، وهو يرى تركيا تنفجر من الداخل، تماما كما توقع قبل سنتين، حين قال أن العامل الكردي هو الذي سيفجر الصراع في تركيا”… فتأمّـــل.
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية



المزيد .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق