الأربعاء، 13 أغسطس 2014

يهود النيل - من فرعون إلى عبد الناصر

 اخبار عبرية
المصدر http://www.al-8
كنيس عدلي أو  أو شعار هاشامايم في القاهرة (SAMIR RAAFAT / AFP)
كنيس عدلي أو أو شعار هاشامايم في القاهرة (SAMIR RAAFAT / AFP)
لم تكن الجالية اليهودية في مصر يومًا أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط، ولا أبرز جالية. فالجاليات العراقية، الشاميّة، اليمنيّة، والإفريقية الشمالية كانت أبرز بشكلٍ عامّ. لكن منذ فجر التاريخ، نسج اليهود علاقات خاصّة مع مصر، لم تتوقّف يومًا. فمنذ ذهاب إبراهيم الخليل ويعقوب إلى مصر في أزمنة الكتاب المقدّس، وجد الكثير من اليهود ملجأً في بلاد النيل.
شعب مُقاتِلين وحُكماء
ثمة شهادات قديمة على أنّ مقاتِلين يهودًا مأجورين كانوا يعيشون في جزيرة إلفنتين على حدود مصر الجنوبيّة، إذ كانوا مؤتَمَنين على حراسة الحدود من الغزاة القادمين من الصحراء، الذين تعاونوا مع المملكة الفارسيّة. حتّى إنّ أولئك اليهود أنشأوا معبَدًا فاخرًا جدًّا، كان مركزًا للنزاع مع جيرانهم غير اليهود. كذلك، استخدم الملك بطليموس الأول المقاتِلين اليهود بشكلٍ كبير لحماية مملكته.‎
في الحقبة الهلينستية، التي ازدهرت فيها مدينة الإسكندرية وأضحت مركزًا عالميًّا للحكمة، الفلسفة، الهندسة، والعمران، لم تتضرّر مكانة اليهود. ففي القرن الثالث قبل الميلاد، وضع حُكماء يهود من الإسكندرية الترجمة الأولى للأسفار المقدّسة العبرانيّة إلى لغة أجنبية، التي دُعيت "الترجمة السبعينية"، لأنّ 72 من الحكماء اليهود عملوا على الترجمة إلى اليونانيّة وفق التقليد. بعد ذلك بسنوات، ظهر في الإسكندرية فيلَسوف يهودي شهير آخَر، هو فيلون السكندري، الذي كان يطمح إلى أن يُظهر أنّ اليهودية دين يمكنه أن يندمج مع مبادئ الفلسفة اليونانيّة، ولا يناقضها.
بطليموس الثاني ومترجمو السبعينية، رسم من عام 1672
بطليموس الثاني ومترجمو السبعينية، رسم من عام 1672
في الحقبة الرومانية أيضًا، واصل اليهود الازدهار، لكنّ تمرّدهم على الحُكم الروماني عام 115 للميلاد كان ذا عواقب وخيمة عليهم. فقد كان يهود الإسكندرية عاملًا رئيسيًّا في الصراع ضدّ الرومان، الذي بدا في البداية انتصارًا كبيرًا على الإمبراطورية. لكن الإمبراطور تراجان أرسل قوّات عسكريّة كبيرة أدّت إلى انتهاء ثورة اليهود بإبادة 90% من يهود مصر، وتدمير المجمع اليهودي الفاخر في الإسكندرية. ولم تبدأ مكانة اليهود بالتعافي إلّا مع صعود الإسلام، إذ حظوا، كباقي يهود العالم الإسلاميّ بمكانة "أهل الذمّة".
رغم أنّ تعامُل السلطات الإسلاميّة كان يتغيّر مع السنين، ورغم العبء الماديّ المتمثل في الضرائب والجزية، تمتّع يهود مصر باستقلال شبه تامّ. في القرن السابع للميلاد، ازدهر في مصر اليهود القرّاؤون، وهم فرع خاصّ من اليهودي لا يعترفون بأيّ من "الكتابات الدينيّة" عدا التوراة نفسها. ولا تزال هذه الجماعة، الموجودة في صراع طويل الأمد مع باقي الطوائف اليهودية، قائمةً في إسرائيل إلى اليوم.
حين بلَغ عظيمُ اليهود القاهرة
موسى بن ميمون
موسى بن ميمون
في أواخر القرن الثاني عشر للميلاد، وصلَ مصرَ رجلٌ يُعتبَر أحد أحكم اليهود وأفضلهم في التاريخ، وهو موسى بن ميمون. كان ابنُ ميمون، الذي وُلد في الأندلس، وانتقل جرّاء ضائقة اقتصاديّة إلى المغرب، في طريقه إلى الشرق الأوسط، رجل دين، فيلَسوفًا، عالمًا، وطبيبًا. وبالتوازي مع كونه رئيس الجالية اليهودية في مصر، كان ابن ميمون أيضًا طبيب الملك الأفضل بن صلاح الدين. قضى موسى بن ميمون وقتًا طويلًا في البلاط الملكيّ في القاهرة، لكنه استمرّ في تكريس قسمٍ كبير من عمله للفتاوى الدينية لليهود.
جعلت الخبرة المنوّعة، التي شملت كتب الفلسفة والعلوم اليونانيّة، إلى جانب الاطّلاع الكامل على الأدب الدينيّ السابق له، ابن ميمون اسمًا يبعث على الفخر لدى كلّ يهودي إلى يومنا هذا. في القاهرة، خَطَّ كتابه الشهير دلالة الحائرين، الذي يُرشِد اليهودي الحائر الذي لا ينجح في التوفيق بين مبادئ دينه وبين العلم والفلسفة، واستخدم فيه ابن ميمون مبادئ مدرسة "الكلام" الإسلاميّة. ويُعتبَر الكتاب مُؤَلَّفًا نموذجيًّا.
أيّام الازدهار
في عصر المماليك، كان وضع اليهود حرِجًا جدًّا. فقد جعل التعصُّب الديني ضدّ جميع الطوائف غير المسلمة، الذي كان موجَّهًا بشكل خاصّ ضدّ الطوائف المسيحية، اليهود يدفعون ثمنًا باهظًا. أمّا مع صعود الإمبراطورية العثمانية، فقد تحسَّن وضع اليهود نوعًا ما، لكنّه ظلّ متقلّبًا. وأدّت المجازِر المُرتكَبة ضدّ الجالية اليهودية إلى تقلُّص عدد اليهود بشكل ملحوظ في القاهرة والإسكندرية في القرون التي تلَت. ولكن مع تولّي محمد علي باشا السلطة، عاد وضع اليهود إلى التحسُّن.
حين بدأت تُثار مسألة شقّ قناة السويس في القرن التاسع عشر، تحسّن وضع اليهود أكثر أيضًا. فقد امتلأت القاهرة بمندوبين وذوي مصالح بريطانيين، فرنسيين، وألمان، وساعدت المبادرةُ الاقتصاديةُ اليهودَ على انتهاز تلك العلاقات لإقامة علاقات تجاريّة جيّدة.
في مطلع القرن العشرين، بلغت جالية يهود مصر الذروة، وتكوّنت ليس من يهودٍ عاشوا في مصر طوال قرون فحسب، بل أيضًا من مُهاجِرين يهود أتَوا من جميع أنحاء أوروبا وشمال إفريقيا. وأتى إلى مصر أيضًا يهودٌ من أصول بولندية وروسيّة بسبب التعامُل السيء مع اليهود في أوروبا الشرقية. أدّى هذا إلى جعل يهود مصر ينطقون بلُغاتٍ مختلفة. فالمخضرَمون تحدّثوا باللهجة العربية المصرية، فيما المُهاجرون المتحدّرون من المطرودين من إسبانيا تحدّثوا الإسبانية - اليهودية، التركية، اليونانيّة، والإيطاليّة، أمّا الأوروبيون الشرقيون فكانوا ناطقين بالروسية، البولندية، ولهجات من الألمانية - اليهوديّة. في الواقع، كانت الجالية المصرية في ذلك الحين أشبه بقوس قزح.
جوقة يهودية في الإسكندرية
جوقة يهودية في الإسكندرية
في القاهرة والإسكندرية، كانت ثمة مدارِس يهودية درّست مختلف اللغات والحضارات الأوروبية، التي اختارها والِدو التلاميذ. كما أنشأت الجالية اليهودية مستشفَيات في القاهرة والإسكندريّة، مؤسسات للمُسنّين، ومؤسسات صَدَقة وثقافة مختلفة، بما فيها مسرح جماهيريّ.
الدمج بين الصهيونيّة والوطنيّة المصريّة
بلغت الصحافة اليهودية في مصر ذروتَها في القرن العِشرين. فقد عمل نحو 90 صحيفة يهودية في مصر بدءًا من نهاية القرن التاسع عشر، حتّى مغادرة معظَم اليهود إلى إسرائيل. إحدى أشهر الصحف، التي كانت تصدُر في العشرينات، كانت صحيفة "إسرائيل"، التي نُشرت بالعربية، الفرنسيّة، والعبرانيّة. أنشأ الصحيفةَ د. ألبرت موصيري، أحد أعيان الجالية اليهودية. كان موصيري وطنيًّا مصريًّا، ولكنه دعم الصهيونيّة أيضًا. وهو لم يجِد أيّ تناقض بين الصهيونية وبين القوميّة العربية، بل ظنّ أنّ الدولة اليهودية يمكن أن تُقام في قلب الشرق الأوسط.
في تلك السنوات، بدأت الفكرة الصهيونية تنمو لدى يهود مصر. بدأ عدد أكبر فأكبر من شبّان مصر ينتمون إلى حرَكات شبابيّة صهيونية، فيما تبرّع أثرياء الجالية اليهودية بالمال لشراء أراضٍ للمستوطَنات اليهودية في فلسطين. ولدى صدور وعد بلفور عام 1917، عبّر يهود القاهرة والإسكندريّة عن فرحهم علنًا.
النشرة العربية لصحيفة "إسرائيل" المصرية
النشرة العربية لصحيفة "إسرائيل" المصرية
لكن في الثلاثينات، تزايدت الدعاية النازية والفاشيّة بين المصريّين، ما أدى إلى تدهوُر أوضاع اليهود. أدّى العداء لليهود في نهاية المطاف إلى إغلاق صحيفة "إسرائيل". ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وازدياد الحديث عن الحاجة إلى دولة يهودية، تزايد السخط العربيّ والمصريّ على اليهود.
أيّام العِداء
في جلسةٍ للأمم المتحدة سبقت الإعلان عن إقامة دولة يهودية، في تشرين الثاني 1947، حذّر سفير مصر، يوسف هيكل باشا: "يعيش مليون يهودي بسلام في مصر وباقي الدول الإسلامية، ويتمتّعون بجميع حقوق المواطِنين. وهم بالتأكيد لا يرغبون في الهجرة إلى فلسطين. لكن إذا أُقيمت دولة يهودية، فليس في وسع أحدٍ أن يمنع الكوارث. ستندلع اضطرابات في فلسطين، تمتدّ إلى جميع الدول العربية، وتؤدي ربما إلى حرب عرقيّة ... إذا قرّرت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، فإنها ستتحمّل مسؤولية الكوارث الخطيرة جدًّا وقتل عددٍ كبير من اليهود".
لكنّ قرار إنشاء دولة يهودية اتُّخذ في الأمم المتحدة، وقرّرت مصر إرسال جيشها لنصرة فلسطين وتدمير الكيان الصهيوني. ولم يُؤدِّ الإخفاق المصري والانتصار الإسرائيلي عام 1948 سوى إلى تحوُّل التعامُل مع اليهود إلى أكثر سوءًا. فاعتُقل عددٌ كبير منهم، وصودرت ممتلكاتُهم.
بين حزيران وتشرين الثاني عام 1948، شرعَت الحكومة المصرية والجماهير في مصر في ممارسة العنف والاضطهاد ضدّ اليهود. في الحيّ اليهودي، أُلقيت قنابل، تسبّبت بوفاة 70 يهوديًّا وإصابة نحو 200 آخَرين، فيما أدّت اضطرابات أخرى في أرجاء مصر إلى مقتل وإصابة مئات آخَرين من اليهود. كما اعتُقل ألفا يهودي، وصودرت ممتلكات آخَرين.
كنيس بن عزرا في منطقة الفسطاط (Roland Unger)
كنيس بن عزرا في منطقة الفسطاط (Roland Unger)
في 30 أيار 1948، أعلنت الحكومة المصرية عن نيّتها مصادرة ممتلكات أيّ مواطن، في حال ثبت أنّ نشاطه يشكّل خطرًا على أمن الدولة. فانتقلت ملكيّة نحو 70 شركة ومصلحة يهودية إلى الحكومة المصرية. دفع ذلك يهودًا كثيرين إلى اجتياز الحدود، ليقيموا في إسرائيل. فغادر نحو 30 ألف يهودي القاهرة، ووصل نصفهم إلى إسرائيل.
تزايدت النزعة مع ارتقاء جمال عبد الناصر السُّلطة. فهزيمتا مصر أمام إسرائيل عامَي 1956 و1967 جعلتا مصريين عديدين يصبّون جام غضبهم على اليهود القليلين الباقين. أدرك معظم اليهود عام 1956 أنّ مصر لم تعُد ملجأً آمنًا بالنسبة لهم، فهاجروا إلى إسرائيل أو إلى دُول أخرى. صادرت الحكومة جميع ممتلكات اليهود الذين غادروا مصر، واضطُرّوا إلى التوقيع على تعهُّد بأنه لا يمكنهم مطالبة مصر بأيّ شيء أو العودة إليها مطلقًا. حتّى عام 1957، هبط عدد يهود مصر، الذي بلغ نحو 80 ألفًا في مطلع القرن، إلى مُجرَّد 15 ألفًا.‎ ‎
أمّا اليوم فلم يبقَ في مصر سوى بضع عشراتٍ من اليهود، يعيش معظمُهم في الإسكندرية. أدرك يهود مصر أنّ الأيّام التي كان يمكن فيها لليهود في مصر أن يرَوا أنفسهم وطنيّين مصريّين وصهيونيّين على حدٍّ سواء ولَّت، وأنه أصبح عليهم أن يختاروا بين الكون مصريين والكون صهيونيين. كانت تلك النهايةَ الحزينة لقصّة جالية عظيمة، كان يمكنها لولا الظروف السياسية أن تواصل النمو والازدهار داخل مصر، إلى جانب دولة إسرائيل، حتّى يومِنا هذا.





2001، صلاة في الكنيس الرئيسي في دمشق (AFP)
2001، صلاة في الكنيس الرئيسي في دمشق (AFP)

يهود الشام يشعرون بالحنين إلى دمشق وبيروت

تعتبر جالية يهود سوريا ولبنان إحدى الجاليات الأكبر والأهمّ في الشرق الأوسط، ماذا تبقّى منها؟ وما مصير أولئك الذين بقوا في موطنهم؟


 22 مارس 2014, 15:11 
1
في قلب بيروت، غير بعيد عن مكتب رئيس الحكومة اللبناني، تمام سلام، يقع الكنيس الكبير "نجمة إبراهيم". الحالة المادية للكنيس صعبة، ولكن لا يزال بالإمكان مشاهدة نجمة داود تزيّن كل عمود في المبنى. كان يرمز المكان إلى عظمة الجالية اليهودية في المدينة. وهو اليوم معرّض للرياح، ليس له سقف، وهو يمثّل حالة من تبقّوا من الجالية اليهودية الذين لا يزالوا في لبنان.
وقد لاقت أدلّة على قيام صلاة يهودية مقلّصة جدًّا بمناسبة عيد الفصح الماضي (2013) ترحيبًا في إسرائيل. احتفل سبعة أفراد يهود من بين عدد قليل ممن تبقى من اليهود في سوريا بذكرى العيد الماضي في الكنيس الصغير الذي تبقّى في مدينة دمشق بسرّية شديدة.
تظهر هذه الأدلة وغيرها أحيانًا في صفحات الصحف المحلية والإقليمية وتوفّر لمحة نادرة لِما كانت عليه في يوم من الأيام إحدى أكبر الجاليات وأكثرها ازدهارًا في الشرق الأوسط.
جالية حلب ودمشق
لقد عاش اليهود في سوريا منذ الفترة التوراتية. وقد ارتفعت أعداد الجالية اليهودية بشكل ملحوظ بعد طردهم من إسبانيا عام 1492. وعلى مرّ الأجيال، وجدت الجاليات اليهودية الأكبر مكان سكناها في المدن الكبرى دمشق وحلب، بينما كانت هناك أيضًا جاليات أصغر على الحدود التركية السورية، في القامشلي. عام 1943، بلغ تعداد الجالية اليهودية في سوريا 30,000 شخص. وقد تقسّمت هذه الجالية بشكل أساسيّ بين حلب، التي عاش فيها 17,000 يهودي، ودمشق، التي عاش فيها نحو 11,000 يهودي.
في سوريا أيضًا، كما في بلدان إسلامية أخرى عاش اليهود بصفة "ذمّيّ" حتى العصر الحديث. عام 1840 حدثت فرية الدم التي سمّيت "فرية دمشق" (في أعقاب اختفاء راهب نصراني وخادمه المسلم وقد اتهمت شخصيات رئيسية من الجالية اليهودية في دمشق بخطفهما وقتلهما من أجل استخدام دمائهما في خبز المصّة) إبّان الحكم العثماني. وقد أدّت الفرية إلى أعمال شغب واعتداءات جسديّة على اليهود من قبل الرعاع. وقد توقّفت أعمال الشغب هذه فقط حين أصدر العثمانيّون مرسومًا إمبراطوريّا برّأ يهود دمشق من الفرية.‎
2000، الجالية اليهودية في دمشق تصوت لصالح بشار الأسد في الانتخابات (AFP)
2000، الجالية اليهودية في دمشق تصوت لصالح بشار الأسد في الانتخابات (AFP)
وبعد الحرب العالمية الأولى (1920) بدأ الانتداب الفرنسي على سوريا. وخلال الصراعات حول تشكيل سوريا، اندلعت عام 1925 ثورة الدروز ضدّ الفرنسيين. وخلال تلك الثورة، تمّت مهاجمة الحيّ اليهودي في دمشق. قُتل الكثير من اليهود، وجرح العشرات، ونُهبت الكثير من المحلات التجارية والمنازل. وقد حدثت الهجمات ضدّ اليهود أيضًا على خلفية الأحداث في أرض إسرائيل في إطار الصراع اليهودي-العربي. عام 1936، بالتوازي مع اندلاع الثورة العربية في فلسطين، قامت أعمال شغب ضدّ يهود دمشق الذين اتّهموا بأنّهم داعمون للصهيونية.
عام 1948 تفاقمت أوضاع اليهود. وبعد وقت قصير من إقامة دولة إسرائيل، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنّه: "في سوريا، يتم اتّخاذ سياسات اقتصادية للتمييز ضدّ اليهود. في الواقع جميع عمال الخدمة العامة من اليهود الذي تم تشغيلهم من قبل حكومة سوريا، تمّت إقالتهم. يمكننا القول بأنّه تم إلغاء حرية التنقّل. أنشئت مراكز خاصّة للحراسة يتمثّل كلّ دورها في رصد تحرّكات اليهود".
وخلال سنوات الثلاثينات (حتى اندلاع الثورة العربية الكبرى) حدث ارتفاع في أعداد المهاجرين من سوريا بشكل أساسيّ بسبب الأزمة الاقتصادية في سوريا. خلال سنوات الثلاثينات هاجر نحو 3,100 يهوديّ، والذين سكنوا في تل أبيب وضواحيها وأقاموا جاليات منظّمة.
عام 1945 نظّم الموساد هجرة 1,400 طفل من سوريا إلى مستوطنات الشمال.
2000، لقاء بين ممثلي الجالية اليهودية في دمشق بالرئيس بشار الأسد (AFP)
2000، لقاء بين ممثلي الجالية اليهودية في دمشق بالرئيس بشار الأسد (AFP)
في السنوات بين 1945-1947 لم تتوقف الهجرة من سوريا ولكنّها ضعفت. عام 1946 بدأ يهود سوريا ولبنان في تنظيم هجرتهم غير الشرعية ووصل أكثر من ألف منهم إلى البلاد بقواهم الذاتية بين السنوات 1946-1947، بشكل خاصّ في أعقاب اضطرابات عام 1947.‎ ‎
بعد إقامة دولة إسرائيل أجبر معظم يهود سوريا على الهجرة، ومن بين 30,000 يهودي عاشوا فيها قبل الهجرة الجماعية بقي نحو 5,000 فقط. ومن بين اليهود الذين غادروا قدم إلى إسرائيل نحو 1700 شخص، والبقية هاجروا إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
يهود لبنان
عاش اليهود في لبنان منذ العصور القديمة. منذ القرن الأول للميلاد دعم الملك هيرودس الكبير الجالية اليهودية في بيروت ومنذ ذلك الحين استقرّ اليهود على شاطئ بحر لبنان. عام 1492 ازداد عدد السكّان في أعقاب طرد يهود إسبانيا، ولكن مع ذلك كانت الجالية اليهودية لا تزال من الجاليات اليهودية الصغيرة في البلدان العربية.‎ ‎
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين انتقل الكثير من اليهود إلى المدن الساحلية، وبشكل أساسي إلى بيروت. عام 1901 بلغ عدد أفراد الجالية في بيروت نحو 3500 شخص. وخلال النصف الأول من القرن العشرين توسّعت الجالية اليهودية بشكل كبير بفضل الهجرة من اليونان، تركيا وفي وقت لاحق من سوريا والعراق أيضًا. عام 1948، كان في لبنان نحو 7000 يهودي، حيث تركّزوا في بيروت والقرى المجاورة لجبل لبنان.
كنيس ماغين أبراهام هو الكنيس اليهودي الأقدم والوحيد في بيروت  (AFP)
كنيس ماغين أبراهام هو الكنيس اليهودي الأقدم والوحيد في بيروت (AFP)
كانت أوضاع اليهود في لبنان جيّدة نسبيّا بالمقارنة مع البلدان المسلمة في الشرق الأوسط، بفضل الأقلية المسلمة في البلاد وعلاقات اليهود مع أبناء الطوائف غير المسلمة. خلال القرن التاسع عشر، حافظ يهود جبل لبنان على علاقة مع الدروز وقدموا لهم الحماية من المجرمين. بالمقابل، حافظ يهود بيروت على علاقات مع المسيحيين المارونيين. وقد أنشأ اليهود في بيروت ميليشيا مكوّنة من مقاتلين مسيحيين ومموّلة من قبل اليهود، وعملت بشكل رئيسي في الحيّ اليهودي في بيروت وحمت اليهود من الهجمات. وقد أدّى قيام الانتداب الفرنسي في لبنان إلى تحسّن كبير في حالة اليهود. انضمّ اليهود لحزب الكتائب المسيحية وشاركوا في تأسيس لبنان الكبير عام 1920. ولكنّ وضعهم ازداد سوءًا حين نال لبنان استقلاله عام 1945 وقُتل نحو 12 يهوديًا في مدينة طرابلس.‎
مقبرة يهودية مهجورة في بيروت (AFP)
مقبرة يهودية مهجورة في بيروت (AFP)
وبين السنوات 1948-1950 كانت الحركة قرب الحدود بين لبنان ودولة إسرائيل الفتيّة ممنوعة في أعقاب الحرب الجارية، وهو الأمر الذي شكّل صعوبة في الانتقال بين الدولتين. بين السنوات 1949-1950 ارتفع عدد محاولات تهريب اليهود من لبنان. جدّد الموساد العلاقة مع المهرّبين العرب، وأقام علاقة أيضًا مع شولا كيشك-كوهين، والتي عملت جاهدة في لبنان لدعم الهجرة. وقد تم تنفيذ الهجرة غالبًا عن طريق البحر، في قوارب يتراوح عدد المسافرين بها بين عدد قليل من الأفراد حتى 30 فردًا. كانت العلاقة مع الجانب اللبناني قائمة بواسطة مبعوثين أرسلوا رسائل من المطلّة في أراضي دولة إسرائيل إلى لبنان وسوريا. وكانت هناك أيضًا مجموعات منظّمة وخاصّة قامت بتهريب اليهود عن طريق البرّ بمساعدة مهرّبين عرب، قدموا إلى المطلّة وتم استيعابهم هناك من قبل رجال الوكالة أو الموساد. وابتداء من عام 1958 تزايدت الهجرة من لبنان في أعقاب قلّة المخاطر وانخفاض تكاليف الهجرة من هناك. كان ممثلو الوكالة قادرين على العمل من بيروت بشكل سهل نسبيّا، واستطاع كذلك اليهود من مواطني لبنان الحصول على جوازات سفر وتأشيرات دخول ومغادرة لبنان دون صعوبة كبيرة.
رغم الهجرة يشعرون بالحنين إلى بلاد المنشأ
رغم أنّ معظم يهود سوريا في أيامنا هذه، لم يروا في حياتهم موطنهم أبدًا، فلا يزالوا يذكرون جذورهم ويحافظون على تقاليدهم.‎ ‎إنّ فخر يهود سوريا وإصرارهم على الحفاظ على ثقافتهم تعكس تقريبًا بيتهم الوراثيّ في سوريا. تشعر الجالية بالريبة من الغرباء وأحيانًا توصف بأنّها مؤطّرة. داخل الجالية نفسها هناك منافسة رئيسية بين يهود دمشق ويهود حلب، حيث يدّعي كلّ طرف أنّه أكثر قدمًا. ووفقًا لمقال نشر مؤخرًا في موقع  Middle East Online، تميل العائلات في وجبات الأعياد والسبت بتناول أطعمة سورية والكثير من يهود سوريا يستمتعون بالموسيقى والرقصات العربية. أيضًا، فقد حافظ معظم اليهود الذين هاجروا من البلاد على لغتهم العربية، أحيانًا يتحدّث أولادهم بها بشكل جيّد.‎
احتفالات بار متسفا،حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الشاب اليهودي 13 من عمره، في الكنيس في بيروت (موقع ILAI MEDIA)
احتفالات بار متسفا،حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الشاب اليهودي 13 من عمره، في الكنيس في بيروت (موقع ILAI MEDIA)
يأتي حنين غير متوقّع من الشوارع الفارغة في الأحياء اليهودية بدمشق وحلب. ويحكي العرب المحليّون، الذين اشتروا منازل اليهود الذين غادروا وكذلك محلاتهم التجارية، بفخر اليوم عن علاقات صداقة رائعة كانت تربطهم بهم، قبل الهجرة الجماعية عام 1992.
وعلى الرغم من سمعتهم، التي تصوّرهم على أنّهم منعزلون، أصبح بعض اليهود السوريين من المشاهير. والد مغنية البوب، باولا عبدول، وُلد في سوريا ونشأ في البرازيل، وأيضًا عائلة والدة الفنّان الكوميدي، جيري ساينفلد، من سوريا. ربّما كان ذلك دمجًا بين الفكاهة اليهودية والسمات العربية، مثل وصول ضيوف غير متوقّعين إلى المنزل، والأمر الذي جعل ساينفلد أحد أشهر نجوم الكوميديا في الولايات المتحدة وحتى في سوريا نفسها.
على الرغم من الالتزام القويّ لليهود السوريّين تجاه تقاليدهم، فلا يزال بعضهم يخشى من فقدان علاقته مع سوريا ومع اللغة العربية. معظم اليهود السوريين الذين وُلدوا خارج سوريا لم يزوروا في حياتهم موطنهم، وفي هذه الأيام فإن القليل من أبناء هذه الجالية يعلّم أبناءه اللغة العربية.
رغم ذلك، يحاول يهود سوريا في إسرائيل  إعادة جزء من العادات والأذواق لذاكرتهم من حلب ودمشق. وبقي الطعام هو العلاقة القوية بالنسبة لتلك الجاليات مع وطنهم. وتعتبر المأكولات المحشية من العلامات الأكثر ارتباطا بالأكلات السورية (كما هو الأمر بالنسبة للأكلات اللبنانية والفلسطينية)، حيث إنّ القاعدة الرئيسية إزاءها هي: "كل شيء قابل للحشو"؛ الكوسا، الباذنجان، البصل، الطماطم، البطاطا وغيرها. أنواع مثل الكبّة، التبّولة، مدايس (قطع كوسا محشوة باللحم ومطبوخة بالصلصة)، مجدّرة والمعمول، باتت شيئًا من المطبخ السوري التقليدي، والوجبات متعددة المشتركين هي ملكية هدفها الرئيسي الاستمتاع بتناول الطعام وهدفها الثانوي إظهار القدرة على الطبخ أمام الضيوف والتي تتمتّع بها بنات العائلة.
عروس لبنانية يهودية (موقع ILAI MEDIA)
عروس لبنانية يهودية (موقع ILAI MEDIA)
وبخصوص الجالية اليهودية التي أصلها من لبنان فالقليل جدّا هو ما نستطيع أن نقوله عنها لأنّها تضاءلت بشكل ملحوظ في أعقاب سلسلة من الأحداث المأساوية التي حلّت بالجالية في بيروت. الحرب الأهلية الدامية في لبنان، وحقيقة كون اليهود  أقلية مقابل أقليات عرقية ودينية أخرى كثيرة في لبنان (يمكن عدّ 17 من تلك الأقليّات)، العلاقات العدائية والحرب التي كانت بين إسرائيل ولبنان منذ إقامة دولة إسرائيل وحتى اليوم، حرب حزب الله ضدّ إسرائيل وتشتّت الجالية في دول عديدة حول العالم، أدّى كلّ ذلك إلى اختفاء شبه كامل للجالية اليهودية اللبنانية.
في العام 2007، نُشرت وثائق نادرة كان قد جلبها مدوّن مسلم من الولايات المتحدة، مايكل بيضون، والذي زار بيروت؛ وقد عرض صورة صعبة. يعيش في لبنان اليوم بضع عشرات من اليهود فقط. وهم يحافظون على السرّية خوفًا من أن يعرّضهم الكشف عنهم للضرر في ظلّ الوضع الراهن في لبنان. ويغيب ممثّلو الجالية عن الاحتفالات الرسمية أو الأحداث العامة، وكل محاولة للوصول إليهم تصطدم بالحواجز.
ويمكننا أن نستنتج من تقارير في الصحافة العربية أنّ هناك القليل من اليهود فقط في لبنان، ومعظمهم كبار جدّا في السنّ. كثير منهم متزوّجون لغير اليهود. في إسرائيل أيضًا عدد يهود لبنان لا يكاد يُذكر وتقريبًا لا تقام أيّة أنشطة ثقافية أو اجتماعية لأبناء الجالية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق