السبت، 7 سبتمبر 2013


إستراتيجيّة...الليدي غاغا !
 

نبيه برجي
03/09/2013





نبيه البرجي
في الخمسينات من القرن الفائت، سأل مسؤول عربي كبير، بل وكبير جداً، رئيس تحرير احدى الصحف اللبنانية عن كيفية شراء مارلين مونرو. وبطبيعة الحال لكي يضمها الى الحرملك الذي تجاوز كماً ونوعاً الحرملك ايام سلاطين بني عثمان. الآن، يحكى عن ان مسؤولاً عربياً يشغل منصباً حساساً راح يباهي امام البعض بأنه تمكن، وبخطة شكسبيرية اضطلعت فيها الاشباح بدور فاعل، من شراء البيت الابيض...
ماذا عن شراء الاليزيه؟ لا مشكلة هنا، فلقد استطاع حتى معمر القذافي ان يفعل ذلك لان ثمة في باريس من لا يرى ان اللحظة الديكارتية اكثر اهمية بكثير في زمننا الحالي من اللحظة البونابرتية، فلقد شاخت كثيراً القارة العجوز، حتى ان كتابا هاماً صدر منذ اشهر بعنوان «هل انتهت فرنسا؟». كيف لا تنتهي او كيف لا تكون قد انتهت عندما يرث فرنسوا هولاند شارل ديغول او فرنسوا ميتران؟ حتماً لا نقول... لويس الرابع عشر..
ولندع الحديث عن الاخلاق جانباً لان لوران فابيوس الذي يحاول، بتلك الطريقة الكاريكاتورية، تقليد ريشليو او مازاران او تاليران، هو وزير الخارجية وليس تيار دوشاردان الذي قال «كل ليل اغتسل بالله و يغتسل الله بي».
حسناً ان نتمكن من شراء البيت الابيض (وغداً الكونغرس؟!) من اجل تدمير سوريا التي ما من حيوان ناطق في هذا العالم الا ويدرك ان الحل فيها لا يمكن الا ان يكون سياسياً، ودون ان نرى اثراً لذلك اللوبي في الملف الفلسطيني الذي في نظرنا بات اثراً بعد عين...
نستعيد ما قلناه سابقاً من ان ما يحدث الآن في سوريا، ولا ريب ان تعفّن بعض مؤسسات النظام ساهم في ذلك، انما هو استكمال لصفقة قديمة عقدت بين ادارة الرئيس جورج دبليوبوش واحدى العواصم العربية: غزو دمشق بعد غزو بغداد لاقامة توازن مذهبي في المشرق العربي قبل ان يقول صحافي بارز، ومقرب من بلاط بارز، ان المشرق العربي هو سنّي سنّي فقط، كما لو ان السنّة ليسوا اهل الامة. تحديداً اهل... الامة العربية!
الآن، يسخر ديفيد هيرست من الضياع الاميركي. يكاد يقول انها استراتيجية الليدي غاغا، حيث الامبراطورية العارية، العارية في العراء، تبدو وكأنها تستعرض اساطيلها (او مفاتنها) للاثارة فقط، وهو ما يثير القنوط داخل جامعة الدول (او جامعة القبائل) العربية، فتدعو الى التدخل الدولي لانقاذ سوريا، دون ان يسأل احد عن تلك الجهة او تلك الجهات التي حالت على مدى اكثر من ستة عقود دون قيام منظومة استراتيجية عربية تتولى اعادة صياغة العالم العربي، وبالتالي اخراجه من تلك العدمية الصارخة، ليكون قوة فاعلة بدل من ان يبقى هكذا مجرد مسرح للدمى. الدمى الالكترونية تحديداً..
دون خجل تتم دعوة اميركا واسرائيل وتركيا الى التدخل لـ«نجدة» سوريا، كما لو ان هذه الدول بالذات ليست صاحبة المصلحة الاولى في تفكيك القارة العربية قطعة قطعة، إما لاغراض استراتيجية او لاغراض ايديولوجية، وكما لو ان جامعة الدول العربية التي سأل محمد حسنين هيكل الى متى تبقى مزرعة للبغاءات (حسناً، لم يقل...مزرعة للضفادع) ابدلت ديبلوماسية العكاز بديبلوماسية التوماهوك، مع ان معهد استوكهولم للدراسات الاستراتيجية يقول ان ما لدى العرب من اسلحة، بما فيها القاذفات والصواريخ المتطورة، يفوق بكثير ما لدى القوى الاوروبية الكبرى في حلف شمال الاطلسي. إذاً، لماذا التدخل الغربي وليس التدخل العربي؟
لا ريب ان «الصدمة الانكليزية» كانت قاسية جداً على الرئيس باراك اوباما الذي، في لحظة ما، ارتدى اسنان خلفه، وقد انتخب لازالة كل اثر له، فالثابت ان ثمة توأمة استراتيجية بين اميركا و بريطانيا، وبين اميركا و كندا. البريطانيون يلعبون عادة بالقبائل ولا تلعب بهم القبائل. الكنديون سألوا ما اذا كانت الضربة ستوظف في نهاية المطاف لمصلحة تلك الـ «طالبان» السورية...
اجل، الامبراطورية بدت عارية (ذلك العري الذي يشبه عري الليدي غاغا)، فيما كشفت قيادة «الجيش السوري الحر» عن السيناريو الذي وضعته وكالة الاستخبارات المركزية مع جهاز الاستخبارات التركي وجهاز استخبارات عربي، وبتنسيق كامل مع جهاز الاستخبارات الاسرائيلي، وهو يحدد الاهداف التي ينبغي ضربها، على ان تكون وحدات من ذلك «الجيش» جاهزة للاستيلاء عليها، وبينها اهداف بالغة الحساسية، قبل ان تنشط الديبلوماسية الروسية وتقول للاوروبيين وغير الاوروبيين ان كل المعلومات حول الاهداف تسربت الى «جبهة النصرة» ومشتقاتها، فكان ان هذه هي من اعدّ العدة للسيطرة على تلك المواقع الحساسة جداً، وبالتالي اعلان الامارة الاسلامية في سوريا. البريطانيون كانوا على دراية كاملة بذلك...
بغباء منقطع النظير اعلنت قيادة الجيش الحر (تأملوا جيداً في وجوه اركانها)، عن الجانب الاكثر سرية من الخطة التي لم يكن احد يجهل تفاصيلها على كل حال، فالمسألة لا تتعلق بضربة عقابية( لاحظوا البعد الكوميدي في هذ التعبير الذي استخدمته واشنطن)، ولا بضربة محدودة جداً او ضيقة جداً، بل انها تمهد السبيل امام تنفيذ ذلك السيناريو الذي يفضي الى وصول ابو محمد الجولاني، وربما معه ابو بكر البغدادي، الى قصر الشعب في دمشق، فيما سليم ادريس ليس اكثر من حالة كاريكاتورية على الخشبة السورية...
كما يحكى الآن عن خلافات داخل البيت الاطلسي، يحكى ايضا عن خلافات داخل البيت العربي (ام الخيمة العربية؟). متى لم يكن المال العربي غبياً وقبلياً ويصب في نهاية المطاف إما في الف ليلة وليلة او في خزائن ديناصورات القرن؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق