الأحد، 14 ديسمبر 2014

يوليو 1981
1
انعكاسات الغارة الإسرائيلية على المفاعل النووى العراقى
المصدر: السياسة الدولية


فى السابع من يونيو 1981 قامت الطائرات الإسرائيلية الأمريكية الصنع بغارة مفاجئة على المفاعل النووى العراقى الواقع على بعد 26 كيلو مترا من بغداد واستمرت الغارة دقيقتين دمرت خلالهما المفاعل ومنشآته وكانت إسرائيل هى التى بدأت بإعلان أنباء هذه الغارة بعد يومين من وقوعها إذ قطع راديو إسرائيل إرساله ظهر يوم 9 يونيو وأذاع بيان الحكومة الإسرائيلية بشأنها، ثم عقد مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل فى المساء مؤتمرا صحفيا يحيط به رئيس الأركان ومدير المخابرات العسكرية حيث كشفوا عن التفاصيل الكاملة لهذه العملية وقد أوضحت التصريحات والبيانات الإسرائيلية أن إسرائيل كانت تتابع بقلق تطور إنشاء المفاعل النووى العراقى، وحاولت عدة مرات أن تثنى فرنسا عن استمرار تعاونها فى إمداد العراق بالمفاعل والفنيين والوقود والمواد النووية وإنه لما تأكد لدى إسرائيل أن المفاعل سيتحول خلال الأشهر القليلة القادمة إلى إنتاج قنابل نووية من طراز القنابل التى ألقيت على هيروشيما، كما تأكد لها أيضا من تصريحات الرئيس العراقى عقب محاولة إيران ضرب هذا المفاعل فى بداية الحرب الإيرانية العراقية فى سبتمبر 1980، أن هذا المفاعل يعمل خصيصا ليستخدم إنتاجه ضد إسرائيل، قررت إسرائيل تدمير المفاعل قبل أن يبدأ فى إنتاج القنابل حيث يصعب تدميره لو بدأ مرحلة التشغيل، كما أن تدميره فى ذلك الحالة سيؤدى إلى تلوث منطقة بغداد الآهلة بالسكان بالإشعاعات النووية واختارت إسرائيل يوم الأحد لضرب المفاعل حتى تجنب الخبراء الأجانب العاملين فى المفاعل مخاطر الهجوم، وبذلك تكون عملية إسرائيل دافعها الأساسى هو الدفاع الشرعى عن النفس بشكل وقائى وقد أدى هذا الحادث إلى ردود فعل عنيفة فى كافة أنحاء العالم، كما دفع المراقبين إلى إعادة النظر فى كثير من المعادلات السياسية فى الشرق الأوسط ويتناول هذا العرض الموجز ثلاث نقاط أولها: استعراض ردود الفعل المختلفة لهذا الحادث، وثانيها: تحليل الآثار المختلف التى يمكن أن تترتب على هذا الحادث وثالثها: تحليل الأسانيد الإسرائيلية التى تذرعت بها لضرب المفاعل العراقى، من الوجهة القانونية أولا: ردود فعل الحادث: ـ 1 ـ فى العالم العربى اتسمت ردود الفعل فى العالم العربى إزاء هذا الحادث بالتعاطف مع العراق، والمناداة ببحث إجراءات صارمة ضد إسرائيل ومن بينها القيام بعمل انتقامى ضد مفاعلاتها النووية، وإدانة الولايات المتحدة واتهامها ولو بطريق غير مباشر بضلوعها فى الحادث فقد أشار بيان وزراء الخارجية العرب الذى عقد فى بغداد يوم 11 يونيو على طلب الحكومة العراقية إلى أنه لولا المساندة الأمريكية لإسرائيل لما أقدمت على هذا العمل، لكن هذا البيان بالإضافة إلى تصريحات أمين عام جامعة تونسى الشاذلى القليبى لم تحدد سياسة معينة للدول العربية تجاه واشنطن بسبب هذا التأييد ومن ناحية أخرى التقى وفد يمثل السفراء العرب فى واشنطن بالرئيس ريجان وشرح له أبعاد وأثار هذا الحادث على المصالح الأمريكية، وأكد لهم الرئيس ريجان أن هذا الحادث يوضح الحاجة الملحة إلى إقامة سلام حقيقى فى الشرق الأوسط وقد أجمعت البيانات الرسمية فى جميع الدول العربية وبعض الدول الأخرى الإسلامية على استنكار التصرف الإسرائيلى، ومساندة العراق، والربط بين أثار الحادث وبين الموقف المتفجر فى الشرق الأوسط وتجدر الإشارة بصفة خاصة إلى موقف كل من العراق ومصر أ ـ فقد رفض بيان مجلس الثورة العراقى المبررات الإسرائيلية لضرب المفاعل وأكد على الطابع السلمى لأهدافه وعلى خضوع أنشطته للرقابة الدولية وأوضح أن الهدف من العملية الإسرائيلية هو تعويق خطط التنمية فى العراق، وأتهم إيران بالتواطؤ مع إسرائيل، وأن التواطؤ قد وضح فى رفض إيران المستمر التصالح مع العراق، ولكن يبدو أن الاتهام العراقى لإيران ليس صحيحا فى ضوء المعلومات الكثيرة التى تكشفت عن محاولات إسرائيل السابقة ضرب المفاعل العراقى، بل هناك تفسير يبدو معقولا وهو أن الطائرات التى حاولت ضرب المفاعل فى بداية الحرب العراقية الإيرانية والتى قيل أنها إيرانية لم تكن سوى طائرات إسرائيلية تحمل علامات مزيفة ب ـ أما فى مصر فقد اتسم رد الفعل المصرى تجاه العملية الإسرائيلية بالاستنكار والغضب الشديدين على كافة المستويات فقد أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا أوضحت فيه أن هذا العمل يفتقر إلى الشرعية ويخالف أحكام القانون الدولى فضلا عن أنه يزيد الموقف المعقد فى الشرق الأوسط تعقيدا ولا يساعد على خلق مناخ السلام وفى جلسة خاصة لمجلس الشعب قرر وزير الخارجية المصرى هذا المعنى مضيفا أن العمل الإسرائيلى يتناقض مع معاهدة السلام واتفاقيات جينيف وخلال الجلسة طالب بعض أعضاء مجلس الشعب بقطع العلاقات مع إسرائيل كذلك سلمت الخارجية المصرية مذكرة احتجاج بنفس المعنى إلى السفير الإسرائيلى ورفضت مبررات الغارة الإسرائيلية ومن ناحية أخرى أكد الرئيس السادات كل ذلك فى أحاديثه وتصريحاته، وقادت مصر حملة التنديد بإسرائيل فى الأمم المتحدة وفى منظمة الوحدة الأفريقية حيث طلبت مصر إدراج الهجوم الإسرائيلى على جدول أعمال مؤتمر وزراء الخارجية الذى بدأ أعماله فى نيروبى يوم 5 يونيو وقد شارك مجلس الشورى، والصحف وكافة الإعلام فى مصر، وكذلك النقابات والأحزاب وغيرها فى حملة التنديد بإسرائيل والواقع أن حدة الموقف المصرى تجاه الغارة يمكن أن يفسر بعدة اعتبارات الاعتبار الأول: هو أن الغارة قد وقعت بعد مضى ثلاثة أيام فقط على اجتماع الرئيس السادات ومناحم بيجين فى شرم الشيخ ولم يخطر بيجين الرئيس السادات بها رغم أن إسرائيل أعلنت أنها تعد لهذه الغارة منذ عدة أشهر وأنها كانت تنتظر التوقيت المناسب فكأن هذا التوقيت المناسب قد وضع فى اعتباره ـ فى نظر البعض ـ إحراج الرئيس السادات فى العالم العربى، وهو ما عبر عنه السيد الرئيس نفسه فى اليوم التالى فى حديثه لمندوب التليفزيون اليابانى الاعتبار الثانى: أن هذه الغارة تعرقل مساعى مصر وأمالها فى وضع حد للصراعات فى الشرق الأوسط وإقامة جو من التعايش القائم على العدل والاستقرار الاعتبار الثالث: شعور مصر بالتضامن مع العراق خصوصا وأن الغارة الإسرائيلية لا منطق ولا ضرورة لها ثانيا: الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية: أدان الدكتور فالدهايم لمخالفتها الصارخة للقانون الدولى وقد اتهمه مندوب إسرائيل فى الأمم المتحدة بأنه تجاوز حدود منصبه الذى يفرض عليه الحياد وعدم التدخل فى سياسات الدول أما الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد كان موقفها تجاه إسرائيل أكثر عنفا فمنذ اللحظات الأولى استنكر مديرها العام الغارة مؤكدا أن العراق لم يكن بوسعه إنتاج قنابل ذرية قبل مضى عشر سنوات على الأقل، فضلا عن أن العراق يخضع لرقابة الوكالة ومن ناحية أخرى أوصى مجلس محافظتى الوكالة فى ختام اجتماعه يوم 13 يونيو بطرد إسرائيل من الوكالة وصدر القرار بأغلبية 31 صوتا مقابل صوتين هما كندا والولايات المتحدة وامتناع استراليا والسويد وسويسرا عن التصويت وأوصى القرار كذلك بضرورة وقف تقديم أية مساعدات أو تسهيلات فنية إلى إسرائيل بما فى ذلك التكنولوجيا النووية بسبب عدوانها على المفاعل العراقى وأكد مجلس محافظتى الوكالة أن العدوان الإسرائيلى قد أثر على الأمن والسلام فى المنطقة كما كشف عن تجاهل إسرائيل لنظام الضمانات التى تضعها الوكالة بالنسبة للمنشآت النووية ومعاهدة الحد من الانتشار النووى وقد طلب مجلس محافظتى الوكالة من مديرها العام عرض هذه التوصية أمام المؤتمر العام للوكالة المزمع عقده فى يوليو كما طلب منه أن يعرض هذه التوصية على مجلس الأمن ثالثا: الاتحاد السوفيتى: أتهت وكالة تاس الولايات المتحدة بالتواطؤ مع إسرائيل وتشجيعها، وأشارت إلى أنه يصعب تصديق التأكيدات الأمريكية بأن الرادار أواكس التى تسلمتها السعودية مؤخرا ويعمل عليها خبراء أمريكيون، لم تتمكن من رصد الطائرات الإسرائيلية التى عبرت المجال الجوى السعودى فى طريقها إلى العراق رابعا: الدول الغربية: ـ أدانت كل من إنجلترا وفرنسا وألمانيا الغربية، وإيطاليا والنمسا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية هذه الغارة بعبارات حاسمة ولكننا سنخص الموقفين الفرنسى والأمريكى بتحليل خاص نظرا لاتصال الدولتين بالحادث اتصالا مباشرا، ونعالج هنا الموقف الفرنسى على أن نعالج الموقف الأمريكى فيما بعد الموقف الفرنسى: اتسم بالاستنكار الحاد والشامل لهذه الغارة، وكان ذلك على كافة المستويات، حيث بادر رئيس الوزراء بإدانة هذا العمل الخطير وترفضه تماما، ولأن الغارة تؤدى إلى مضاعفة التوتر فى المنطقة كما أدانتها لجان البرلمان والأحزاب السياسية والصحف وأوضح وزير الخارجية الفرنسة أن صداقة فرنسا لإسرائيل تمنعها من إدانتها، وأكد أن المفاعل العراقى كان مخصصا للأغراض والأنشطة السلمية، ويخضع للرقابة وأكد الرئيس ميتران أن كل انتهاك للقانون يجب أن يواجه بالاستنكار وكانت الخارجية الفرنسية قد أصدرت بيانا بالغ العنف أشارت فيه إلى التناقص فى البيان الإسرائيلى الذى حاول تبرير العدوان وتحيط بالموقف الفرنسى المتشدد تجاه الغارة عدة اعتبارات: الأول: أن أثار هذه الغارة كانت لا تزال ساخنة عندما بدأ الملك خالد زيارته لباريس والثانى: أن ضرب المفاعل الذى تعاقدت فرنسا على توريده وتركيبه وتشغيله يعد عملا موجها لفرنسا مباشرة، بعد فشل إسرائيل فى إثناء فرنسا عن التعاون مع العراق الذى تنظر إليه الحكومة الفرنسية على أنه مساهمة منها فى خطط التنمية الصناعية ولكن إسرائيل ساورها قلق شديد من التقارب العراقى الفرنسى خلال زيارة الرئيس ديستان لمنطقة الخليج عام 1979 لعدة أسباب فى مقدمتها تحول موقف فرنسا المتأثر بالمصالح الاقتصادية والبترولية نحو تأييد القضية الفلسطينية، ولذلك كانت محاولة إسرائيل عرقلة التعاون الفرنسى العراقى تنطوى فى نفس الوقت على محاولة التأثير على هذا التحول فى السياسة الفرنسية فى الشرق الأوسط أما أثر الغارة الإسرائيلية على علاقات فرنسا بكل من إسرائيل والعراق، فالراجح أن إدانة فرنسا الشديدة لغارة قد لا تؤثر على علاقات البلدين، ولكن ضرب المفاعل يعد تحذيرا واضحا لفرنسا بقدرة إسرائيل على العمل بأساليب متعددة لمواجهة الإصرار الفرنسى على التعاون مع العراق ومن ناحية أخرى فمن المحتمل استمرار التعاون الفرنسى العراقى فى المجال النووى مع زيادة رقابة فرنسا على الأعمال والإنشاءات النووية فى العراق ولكن أثر الغارة فى فرنسا قد لا يتوقف عند إطار العلاقات الفرنسية مع إسرائيل والعراق، بل قد يتعداه إلى موقف فرنسا فى أزمة الشرق الأوسط بشكل عام، إذا أكد وزير الخارجية الفرنسى فى لهجة حازمة بأن مراعاة أمن إسرائيل يجب ألا يترتب عليه إغفال مستقبل الفلسطينيين، وهى إشارة واضحة إلى رفض فرنسا أن يكون للغارة أثر على تراجعها عن سياستها فى الأزمة ثانيا: الآثار المحتملة للغارة الإسرائيلية: لاشك أن الأثر الأول المترتب على هذه الغارة قد ظهر بالفعل داخل إسرائيل نفسها فى دعم مكانة بيجن وإجماع الرأى العام الإسرائيلى على تأييد هذه الغارة وضرورته للأمن القومى الإسرائيلى وإعجاب الرأى العام فى إسرائيل بصلابة بيجن فى مواجهة الضغوط وردود الفعل الدولية وبذلك يكون بيجن قد حقق واحدا من أهدافه فى توقيت الغارة وهو الحصول على تأييد انتخابى أما الآثار الأخرى للغارة خارج إسرائيل فتكمن فى اهتزاز علاقة إسرائيل بأصدقائها وإحراجهم، وإشاعة روح التضامن بين أعدائها، وتفصل ذلك على النحو التالى: ـ ـ 1 ـ التضامن داخل العالم العربى الإسلامى حول إبعاد الخطر الإسرائيلى الجديد فقد أحسست تلك الدول أنها ليست بمنأى عن عمل إسرائيلى مماثل خصوصا وأن هناك اتجاها فى العالم الإسلامى لإنتاج ما يسمى بالقنبلة الإسلامية أى قيام إحدى الدول كباكستان أو ليبيا بإنتاجها كى تكون رصيدا استراتيجيا سياسيا وعسكريا للعالم الإسلامى على افتراض وحدة كلمته ومن صور هذا التضامن حث البعض على قيام العالمين العربى والإسلامى بضربة انتقامية للمفاعلات الإسرائيلية وأن اقتصر مثل هذا النداء إلى الجدية الواجبة ـ 2 ـ ولئن كانت الغارة الإسرائيلية أصبحت رمزا لبطش إسرائيل وجسارتها استمرار لخطها منذ قيامها فقد ألفت بظلال من الشك حول دعاوى إسرائيل برغبتها فى أن تعيش فى سلام متفق عليه مع جيرانها واتضح أن السلام الإسرائيلى بالصورة والمواصفات التى تراها هى قصد إسرائيل ويترتب على ذلك عدة أثار خطيرة على حركة السلام التى بدأها الرئيس السادات فمن شأن هذه الغارة خمود تحمس بعض الدول العربية لتجربة السلام مع إسرائيل والتأثير على تحمس الشعوب العربية للتعايش مع إسرائيل فى ظل شروط مشرفة وإضعاف موقف المعتدلين فى العالم العربى وداخل المقاومة الفلسطينية كذلك أدت هذه الغارة إلى التعاطف مع العراق وكسر عزلته فى العالم العربى، وشمول سوريا بهذا التعاطف على أساس أنها ـ بسبب أزمة الصواريخ هى الهدف التالى لإسرائيل لكن التعاطف العربى العام مع العراق خصوصا من دول أخرى مثل ليبيا وسوريا قد يخفف دون أن يلغى ـ أسباب الخلاف والشقاق بينها واتصالا بهذه المجموعة من النتائج فليس معروفا بوضوح أثر هذا التضامن العربى على موقف مصر فى العالم العربى فقد تكون حدة النقد المصرى للتصرف الإسرائيلى فضلا عن الرغبة العامة فى العالم العربى إلى تجاوز خلافاتها مبررا للاعتقاد بضرورة تحسن العلاقات العربية المصرية وعلى العكس من ذلك قد يذهب آخرون إلى أن الهجوم الإسرائيلى تم فى ظل انتعاش العلاقات التعاهدية بين مصر وإسرائيل، وهذا مبرر لزيادة حدة الخلافات المصرية العربية هذه نقاط وغيرها لم تتضح بعد ومن بينها مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية فى الأشهر القليلة القادمة رغم حرص مصر على ما تعقدت به مع إسرائيل وتجدر الإشارة بصدد الحديث عن موقف مصر إنه يقوم على خطين أساسيين من واقع تصريحات الرئيس السادات ووزير الدولة للشئون الخارجية الخط الأول: إدانة موقف إسرائيل بوضوح وفى كافة المناسبات والمحافل، وتزعم حملة الإدانة فى كل مكان لإحساس مصر بخطر هذا العمل الإسرائيلى ويشهد بذلك كلمة مندوب مصر فى الأمم المتحدة وجهود مصر فى اجتماعات نيروبى الحالية ـ ـ 17 يونيو ـ الخط الثانى: تمسك مصر باتفاقية السلام والعمل على ـ تعميق مفهوم السلام لدى إسرائيل ـ حسب تعبير الرئيس السادات فى برقيته إلى الرئيس ريجان وتقوم وجهة نظر مصر الرسمية على أن السلام ضرورة ومسئولية يجب ألا نترك إسرائيل تعبث بها، وإنه إذا كانت مسيرة السلام قد أصبحت بانتكاسه وصدمة من جراء الغارة الإسرائيلية فإن المسيرة لم تتشتت ولم يقض عليها وإذا كان تصرف إسرائيل يتنافى مع جو السلام الذى زعمت أنها تشاطر مصر فى إشاعته فإن هذا التصرف فى نظر مصر لا يعد انتهاكا من الوجهة القانونية لمعاهدة السلام ـ 3 ـ أما المجموعة الثالثة من الآثار فتقع فى إطار السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط وفى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بالإضافة إلى العلاقات السعودية الأمريكية لقد لاحظنا شدة رد الفعل الأمريكى تجاه الغارة وإعلان الخارجية الأمريكية فى تصميم رفض المبررات الإسرائيلية ولم يقف رد الفعل الأمريكى عند هذا الحد وإنما أثارت الغارة غضب الكثيرين من رجال الكونجرس والحكومة كما أدت بالرئيس ريجان إلى أن يطالب إلى مجلس الشيوخ عن طريق وزير خارجيته، النظر غى اعتقاد الحكومة الأمريكية بأن الأسلحة المستخدمة فى الغارة دون إذن من الولايات المتحدة ولأغراض هجومية يعتبر انتهاكا لاتفاقية المساعدة المشتركة للدفاع المبرمة بين إسرائيل وأمريكا فى 23 يوليو 1952 والتى تتضمن تعهد الحكومة الإسرائيلية لحكومة الولايات المتحدة بأن العتاد والموارد أو الخدمات التى قد تحصل عليها لن تستخدم إلا فى الحفاظ على أمنها الداخلى ودفاعها الشرعى عن النفس أو للمشاركة فى الدفاع عن المنطقة التى هى جزء منها أو فى إجراءات وترتيبات الأمن الجماعية للأمم المتحدة وإنها لن تقدم على أى عمل من أعمال العدوان على أية دولة أخرى ومن المقرر أن تقوم لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ قريبا فى التحقيق فى الظروف التى أحاطت بالغارة الإسرائيلية وبحث ما إذا كانت الغارة ضرورية للدفاع الشرعى عن النفس أى أنها لا تعد انتهاكا للاتفاقية المشار إليها ومن ناحية أخرى فقد جاء هذا الإبلاغ تطبيقا للقانون الخاص بتصدير السلاح الذى صدق عليه الكونجرس عام 1976 حيث يلتزم بموجبه الرئيس الأمريكى بإبلاغ الكونجرس فورا بأى انتهاك لاتفاق بيع الأسلحة كلما توافرت لديه المعلومات التى تحمل على هذا الاعتقاد كما ينص القانون على حظر بيع الأسلحة أو فتح اعتماد لشراء الأسلحة لدولة ثبت انتهاكها لاتفاق توريد السلاح وانتظارا لنتائج التحقيق فى مدى انتهاك الغارة للتعهدات السابقة قرر الرئيس ريجان أن يوقف مؤقتا توريد أربع طائرات أف 16 كان مقررا تسليمها لإسرائيل يوم 12 يونيو فما هى دلالة ومغزى ودوافع هذا الموقف الأمريكى الذى وصفته إسرائيل بأنه موقف ظالم؟ لا شك أن الغارة الإسرائيلية قد أصابت أهداف السياسة الأمريكية فى المنطقة بأضرار جسيمة يمكن أن نرصد بعضها على النحو التالى: ـ 1 ـ إجهاض مساعى التقارب مع العراق لإبعاده عن دائرة التحرك السوفيتى وكانت هذه المساعى على وشك النجاح ـ 2 ـ إثارة الشكوك حول جدوى الصداقة التقليدية الأمريكية بالنسبة لدول الخليج فى وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى استعادة الثقة معها والتى انهارت أو تزعزعت عقب أحداث إيران وأفغانستان ـ 3 ـ إحراج الولايات المتحدة خصوصا بعد ما ثبت أن الطائرات الإسرائيلية المهاجمة قد مرت بمناطق عمل طائرات الرادار الأمريكية أواكس فى السعودية، وأن كانت السعودية قد نفت ذلك ـ 4 ـ إصابة المساعى الأمريكية للسلام فى الشرق الأوسط بضربة قاصمة سواء فى إطار اتفاقات كامب ديفيد أو على الجبهة اللبنانية ونتيجة هذا كله تعرض المصالح القومية الأمريكية لخطر عظيم فضلا عن هزيمة أهداف السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط فى مواجهة الاتحاد السوفيتى خصوصا وأن الغارة أقنعت دول المنطقة بعد سلامة المنطق الأمريكى الذى روجت له إدارة ريجان من أن أخطار المواجهة مع السوفيت يجب أن تسبق المنازعات المحلية ولذلك قبلت إسرائيل بعملها هذا المنطق رأسا على عقب وعلى أمريكا الآن أن تبرر موقفها وسياستها أو تعيد النظر فى أولوياتها لهذا كله كان لابد أن تتحرك الولايات المتحدة لإظهار غضبها من التصرف الإسرائيلى ولا شعار إسرائيل أنه حين تتناقض المصالح الإسرائيلية مع المصالح العليا الأمريكية فإن أزمة محققة تجتاز علاقات البلدين ولكننا نلاحظ أنه وإن كانت هذه هى المرة الأولى التى تتحمس فيها الحكومة الأمريكية لبحث مدى انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكى فى سلسلة سوابق الحوادث الإسرائيلية، فإن رد الفعل كان محسوبا بدقة: فلم يقطع الرئيس ريجان بأن إسرائيل انتهكت القانون الأمريكى على نحو ما فعل الرئيس نيكسون أبان الغزو التركى لقبرص 1974 حيث أرغم الكونجرس على وجهة نظره بحظر إرسال الأسلحة إلى تركيا، ولكن الرئيس ريجان ترك البت فى هذا الموضوع للكونجرس وأراد أن يكون إجراؤه تحفظيا وموقوتا وليس خطأ عاما تجاه إسرائيل لأنها خطوة خطيرة ليس متأكدا من أبعادها كما أنه قصد أن تكون خطوة فورية كى يمتص غضب الرأى العام والحكومات العربية ولكى يبرر بعد ذلك مساندة أمريكا لإسرائيل فى أى مسعى داخل المنظمات الدولية فضلا عن أن صفقة الطائرات التى أوقف تسليمها مؤقتا كان أجلها قد حل وسط غبار الأزمة وأثناء احتدامها ومؤدى هذا الموقف الأمريكى المتوازن، أوضحت أمريكا أن تشددها مع إسرائيل يجب أن يكون ترضية مناسبة للعرب، وأنها لن تسمح بعقاب إسرائيل سواء فى مجلس للأمن أو غيره عدا إدانة العمل ووقف الصفقة مؤقتا بل أن الرئيس ريجان صرح اليوم ـ(17 يونيو)ـ بأن دافع الغارة قد يكون قلق إسرائيل الحقيقى على أمنها، وأنه متفهم لذلك وهذا الموقف فى إجماله، المحدود فى نطاقه، قد لا يصبح ترضية معقولة للعرب ثالثا: تحليل مبررات الغارة الإسرائيلى: لاحظنا أن إسرائيل استندت إلى تفسير خاص لقواعد الدفاع الشرعى عن النفس وروجت لنظرية الضربة الوقائية وركزت على هذا التبرير سواء كدفاع عام أو لإظهار خطأ الموقف الأمريكى تجاهها ونظرا لآن هذه النقطة جوهرية فى الموضوع فضلا عن أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ سوف تبحث مدى جدية هذه النقطة مما قد تؤدى إلى تحول فى الموقف الأمريكى فيجب أن تحظى هذه النقطة باهتمام يماثل ما لها من أهمية فى الموقف الإسرائيلى ويجب أن نقرر بادئ ذى بدء أن الزعيم الإسرائيلى بأن الغارة الإسرائيلية على العراق تطبيق لحق الدفاع الشرعى عن النفس وفقا لميثاق الأمم المتحدة لا أساس له ويكفى دون حاجة إلى تحليل أن نقرأ نص المادة 51 بأنه ـ ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعى للدول فرادى أو جماعات فى الدفاع عن أنفسهم ولكن الميثاق يشترط للتمتع بهذا الحق ثلاثة شروط هى: اعتداء قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وأن تكون ممارسة الدفاع عن النفس مؤقتة ـ إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن وأن تبلغ التدابير التى اتخذت دفاعا عن النفس فورا إلى مجلس الأمن وواضح أن هذه الأحكام اللازمة لممارسة حق الدفاع الشرعى ليست واردة فى العملية الإسرائيلية كما أن إسرائيل كما قلنا لم تثير هذه الأحكام وإنما استندت إلى نظرية الدفاع الشرعى الوقائى وهى نظرية مرفوضة من أغلبية الشراح فما هى الأسس التى قدمتها إسرائيل لتطبيق هذه النظرية؟ قدمت إسرائيل ثلاثة أسس لتدبير تصرفها هى: أ ـ أن المفاعل العراقى سيستخدم فى إنتاج قنابل ذرية موجهة خصيصا ضدها ب ـ أن المفاعل كان على وشك إنتاج هذه القنابل وكان من الصعب عليها أن تدمره لو أنتجها ج ـ أن الاعتبار الإنسانى حتم توقيت العملية لتجنيب الخبراء الأجانب خطر الهجوم كما عجل به حتى لا تضطر إسرائيل إلى ضرب المفاعل فى مرحلة التشغيل بما يضر بسكان بغداد وقد أضافت إسرائيل أساسا رابعا ـ فى معرض دفاعها عن موقفها إزاء رد الفعل الأمريكى ـ وهو أن العراق فى حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1948 وأنه اشترك فى كافة الحروب العربية ضدها ورفض توقيع اتفاقات الهدنة، أو قبول قرارات وقف إطلاق النار فكأن إسرائيل أرادت بهذا الأساس أن تعتبر ضرب المفاعل عملا من الأعمال الحرفية المشروعة بين الدول ومع تحفظنا الشديد فى قبول منطق القائلين من الفقهاء بنظرية الدفاع الشرعى الوقائى فإننا مهما توسعنا فى تفسير هذه النظرية لا نجد أى سند لزعم إسرائيل فأنصار نظرية الضربة الوقائية يشترطون لانطباقها خمسة شروط على الأقل هى: الشرط الأول: تأكد الدولة المستهدفة للخطر من أن ما تقوم به الدولة الأخرى فى أراضيها معد خصيصا للإضرار بها واستناد إسرائيل إلى تصريح الرئيس العراقى بأن المفاعل العراقى مخصص لإنتاج قنابل نووية ضد إسرائيل حتى لو صح نسبته إلى ذويه وهو ما كذبته السفارة العراقية فى بون وأنكره الرئيس العراقى نفسه ـ يجب أن يفهم فى إطار السياسات العربية والصراعات الحزبية بين سوريا والعراق، ودور العراق فى أزمة الشرق الأوسط ومما يدعم رأينا فى هذا الشأن أن العراق صدقت على اتفاقية منع الانتشار النووى منذ عام 1969 ومعنى ذلك تعهد العراق بعدم استخدام المفاعل فى الأغراض غير السلمية وقبوله رقابة وضمانات الوكالة الدولية للطاقة النووية بشأن أنشطة المفاعل بالإضافة إلى تأكيد من الولايات المتحدة وفرنسا والوكالة نفسها على عدم دقة الزعم الإسرائيلى الشرط الثانى: أن تحاول الدول المستهدفة للخطر بكافة السبل السلمية إقناع الدول الأخرى لإثنائها عن الأضرار بها ولا يمكن أن تدلل إسرائيل على استيفائها هذا الشرط استنادا إلى محاولاتها لإجهاض استمرار مجهودات استكمال أعمال المفاعل العراقى أو محاولة التأثير على فرنسا لوقف تعاونها مع العراق وقد أبرزت إسرائيل فى تبريرها اللاحق لموقفها ردا على النقطة بأن إسرائيل لم تقدم عليها إلا بعد أن أخفق جهد بذلته فى سبيل إتمام قيام العراق ببناء المفاعل العراقى وأكد نفتالى لافى مستشار وزير الخارجية للشئون العامة بأن إسرائيل استنفذت كافة الجهود الدبلوماسية منذ نهاية عام 1975 لإقناع فرنسا بعدم بيع المفاعل للعراق الشرط الثالث: أن يكون الهجوم على الدولة مصدر الخطر هو الحل الوحيد لتوقى هذا الخطر على فرض ثبوت وجوده وتأكد الدولة المستهدفة من أنه موجه إليها وهو شرط الضرورة الملحة أو الملجئة وهذا ما لم يتوفر فى الغارة الإسرائيلية الشرط الرابع: التناسب بين العملية والهدف وهذا يستحيل تحقيقه لأن إزالة مصدر الخطر يتطلب انتهاك السيادة الإقليمية للعراق والقول بأن امتلاك العراق لمفاعل نووى ضار بإسرائيل على أساس احتمال قيامه بإنتاج قنابل ذرية فى المستقبل يؤدى إلى نتائج تضر ضررا جسيما بقواعد العلاقات الدولية الشرط الخامس: أن يكون الحظر الذى استهدفته العملية حالا وعاجلا بحيث لا يكون لدى الدولة الأخرى أى وقت لتوفيه وقد استندت إسرائيل بشدة إلى هذا الشرط كما رأينا ـ ولا يمكننا قبول الزعم الإسرائيلى لأن افتراضها لمراحل عمل المفاعل وتحوله إلى إنتاج القنابل الذرية هو جزء من تصور نظرى خاص بها ابتدعته لكى يتواءم مع جوانب نظريتها فى الدفاع الشرعى الوقائى الذى نشك فى شرعيته وفى خطأ مسبته إلى مبدأ الدفاع الشرعى فى القانون الدولى ولعله من ناقله القول أن الأخذ بالنظرية الإسرائيلية يعيد المجتمع الدولى إلى شريعة الغاب ويعطى كل دولة الحق أن تبادر إلى تدمير منشآت الدول الأخرى إذا اعتقدت أنها ستوجه ضدها وينطبق هذا بشكل خاص على العلاقات بين المعسكرين الشرقى والغربى وهكذا أدت الغارة الإسرائيلية على العراق إلى أخطر الآثار فى المنطقة، دون أن يكون لها أى سند من قانون أو منطق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق