الأحد، 24 أبريل 2016

'فلاش باك بيروت'..


صورة من الجو لبيروت خلال سبعينيات القرن الماضي
صورة من الجو لبيروت خلال سبعينيات القرن الماضي
أغنية "ألو بيروت" للشحرورة صباح تصدح في شارع بليس بوسط العاصمة اللبنانية، كلمات الأغنية ترسم صورة لبيروت ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أيام كانت منارة  المسرح والسينما و فضاء يحيا فيه المثقفون والفنانون ويرتادون مقاهيها على كراسي مقاهيها ارتياد المقاهي حيث يلتقي المثقفون والفنانون.
من أجل إحياء تلك الحقبة، جاءت مبادرة فلاش باك بيروت، حيث عاد عاد شارع بليس، وسط بيروت، يوم الأحد الماضي إلى تلك الفترة الذهبية، وسمح ذلك لسكان العاصمة وزوارها بارتشاف لحظات سحر الأيام الخوالي والزمن الجميل.
لقد أعاد هذا الحدث الفني والثقافي بيروت لها روحها، أقفل الشارع قرب الجامعة الأميركية أمام حركة السير، مستقبلا "نوستالجيا" الماضي، عبر مسرح البيكاديلي، وسينما "ريفولي"، و"هورس شو"، والترامواي، وموسيقى الستينات والسبعينات، وقام أصحاب المبادرة أيضا ببناء 25 منزلا صغيرا يتضمن "أهم الأحداث التي حصلت في ذلك الزمن".
ويقول فريق "فلاش باك" الذي يهتم بالحنين إلى بيروت إن هدف المبادرة هو "إعادة ربط بيروت بتراثها والأهم أن نحافظ على ما تبقى من هذا التراث، لأن المنازل القديمة تتعرض للهدم، وكذلك البيئة تتعرض للدمار".
وكشف وزير السياحة اللبناني الذي حضر إلى فضاء الاحتفاء، أن المبادرة "تجعلنا نتذكر كيف بنينا هذا البلد والديمقراطية والحرية والحضارة والسلام، وكيف عشنا خلال فترة الستينات والسبعينات حيث كانت بيروت منارة الشرق الأوسط إن من حيث الفن أو الإعلام والاقتصاد، إضافة الى وجود حركة كثيفة من المثقفين المميزة".
على مدار هذا اليوم لم يهدأ صوت المذياع وهو يبث ألحان صباح في مناجاتها لبيروت وفي موالها " لا فرق عندي بين زيد و بين عمر كل البشر أحباب قلبي"، وبينما كان صدى صوت صباح يصدح في أركان شارع بليس، كانت عقول الزوار تهيم في ذكريات الماضي الجميل قبل أن تصبح بيروت بفعل السياسة وأهوالها على الصورة التي هي عليها اليوم.. فرقة وتوتر وغياب أمن وركود في الفن والثقافة والإعلام.
كلمات رئيسية لبنان,شار ع بليس,فلاش باك بيروت
  
مدينة التاريخ والتراث والنضال والثقافة والمقاومة
تبقى بناسها وشواهدها وحكاياتها عابرة للطوائف
 ابراهيم حيدر
 
 Imageبيروت، عاصمة العرب، قيل فيها الكثير في الحب والثورة والغناء. البعض مجّد بيروت فصادرها بتاريخها وحيويتها وعنفوانها، وحولها الى مجرد مدينة بلا معنى. لكنها بيروت، تبقى بأسمائها وشواهدها وتواريخها وأهلها، عصية على المصادرة والنسيان وعابرة للطوائف.
كل من كتب عن بيروت أحبها، لكن الكثير منهم لم يدخل الى قلب بيروت وإلى أهلها، حتى إن البعض جرّد بيروت من إنسانيتها، حين تجاوز ناسها، أو حولهم إلى مجرد أرقام بلا هوية. لكن عائلات بيروت لم تنسَ تاريخها الأصيل في الثقافة والمقاومة والعروبة، وكل ما حصل يبقى عابراً، وتبقى بيروت التاريخ والتراث والمقاومة والنضالات الشعبية، فيما يزول العابرون فوقها من دون استئذان.


لكن لبيروت كتابات مشرقة، فحين كتب سهيل إدريس ذكرياته عن المدينة، أظهر الجانب الإنساني فيها من خلال حياته المليئة بالصعاب والمفاجآت، وحين كتب حليم بركات مذكراته عن بيروت سماها «المدينة الملونة»، وهذه الألوان نجدها في أحياء هذه المدينة وحاراتها وشوارعها، وفي الكتب التي صدرت عنها. وتحكي رواية «طواحين بيروت» لتوفيق يوسف عواد، في بعض فصولها عن الحرب الأهلية اللبنانية، وكأنه كتب من خلال حدسه الفني والوطني، أن شيئاً ما سينهار، وأن المجتمع اللبناني، مجتمعه، يتداعى للسقوط، بحسب ما قال عنه الكاتب باتريك سيل، «وهو في رائعته «طواحين بيروت» التي لها مكانها الرفيع في «بانتيون» الآداب، يتنبأ عن الكارثة بصوت صارخ، أقل ما يقال فيه إنه يحملنا على الخجل عن مواطنيه، لأنهم سدوا آذانهم عنه ولم يسمعوا إليه في حينه».                                              

المجتمع البيروتي

محمد أمين فرشوخ، قدم من خلال بضعة عشر قصة قصيرة باقة من المختارات التراثية البيروتية، عارضاً المناخ العام الذي ساد المجتمع البيروتي في النصف الأول من القرن العشرين، هذا الجو الذي نسجت خيوطه التقاليد، والعادات والقيم التي كانت تحكم العلاقات بين الناس في بيوتهم وأحيائهم وأسواقهم وسائر أماكن حياتهم الاجتماعية، فماذا بقي من ذلك؟
والكتابة عن بيروت لا يمكن أن تستقيم، إلا من خلال الوصل بين الماضي والحاضر حيث التراث الجميل والقيم، الضيافة والكرم والإيمان، والبيع والشراء، والحماة والكنّة، والقبضاي والوجيه والظريف. وهناك أشخاص من لحم ودم، وجدوا وعاشوا يوما، ولهم حكايات تخاطب وجداننا، فعشرات العائلات البيروتية أنتجت كتاباً ومثقفين و«قبضايات» وبعضهم من جسد حكايات الأدب الشعبي. وهنا يتطرق فرشوخ إلى تاريخ رجالات العاصمة بيروت، من خلال قصصهم، إضافة الى طرائف اجتماعية واقتصادية وسياسية وتربوية.Image
البيروتي العتيق والعائلات العريقة تمتد جذورها في عمق تاريخ العاصمة. والمصطلحات الشعبية البيروتية، ربما تكون في طريقها إلى الزوال أو يجهلها الجيل الجديد. فمن دونها، لوجد القارئ نفسه (باستثناء ربما كبار السن وذوي الإختصاص) أمام حكايات شعبية مليئة بالتعابير الغريبة وغير المفهومة. فمن المصطلحات «العتيقة» التي وردت في كتاب فرشوخ: اسكملة، برنيّة، السّطيلة، غنباز، الورديان، مشربيّة... وغيرها التي لا تزال في ذهن بعض البيروتيين.
وذاكرة بيروت الشعبية لا تزول، فمن لا يعرف عن القبضاي ومنهم قبضايات زمن غابر حيث الشرف والكرم والنخوة والشجاعة وغيرها الكثير من الصفات الحميدة.
ويروي فرشوخ قصة «القبضاي بدوي الفيومي، والذي أُخبر عنه بشهادة من سمع من حبيب أبو شهلا والمير مجيد أرسلان وصائب سلام وكميل شمعون، أنه هو الذي اثار غضب الشارع البيروتي ودعاه إلى الإحتجاج والثورة بعد أن ألقى الفرنسيون القبض على «رجال الاستقلال». وأنه هو الذي أقام المتاريس في أحياء المدينة، وألّب الشباب من كلّ المناطق على العسكر السنغالي... فتراه، وكما قيل عنه وقتها: «إنه رجل الإستقلال الشعبي الأول».
لكن بيروت لا تختصر بشخص في نضالاتها للاستقلال وفي نضالاتها وثوراتها الشعبية وفي مقاومة الإحتلال الإسرائيلي لبيروت في 1982، إنه تاريخ أهلها ومن احتضنتهم على مر التاريخ، فكانت بذلك أصيلة لمبادئها ولتراثها وقيمها.

بيروت الكتاب

كانت بيروت مصنعاً للكتاب فصارت مادته. إصدارات السنوات الأخيرة تعكس حمى الكتب التي عنونت باسم «بيروت»، ناهيك عن الأفلام السينمائية والبرامج التلفزونية التي تناولت حاضر هذه المدينة وماضيها. إنها طفرة تسيطر على الرواية اللبنانية منذ توقف الحرب الأهلية في المدينة العريقة. لكن بيروت أيضاً لا تختصر بكلمات.
في رواية «بيروت 75» حملت بطلة غادة السمان لافتة كتب عليها «مستشفى المجانين»، وهي تختم الرواية، ووضعتها على مدخل المدينة وانفجرت ضاحكة وكأن حالة هستيرية قد تلبّستها، وهي التي كانت قد تركت بلادها وأتت بيروت مملوءة بالأحلام. وبعد ربع قرن من كتابها هذا تقول السمان في نهاية «سهرة تنكرية للموتى» الشيء نفسه بطريقة أخرى، فبطلها فواز، المهاجر اللبناني يغادر بيروت، بعد زيارة قصيرة، وهو غير متأكد أن الحرب قد انتهت، أو أنها بدأت عشية الألفية الثالثة مجدداً. ففواز «لم يعد يدري كيف يميز بين الحقيقة والكابوس، بعدما صارت الحقيقة كابوساً». فكل ما رآه المغترب في بيروت يشي بالجنون ولو كان دافئاً وحنوناً. هذا ما فعلوه ببيروت، لكنهم لم يقتلعوا تاريخها.
وسجلت السمّان في كتابها «كوابيس بيروت» مآسي الحرب، وقعت هي هذه المرة في شرك المدينة بأسرارها وخفاياها وتناقضاتها. وعلى قدر ثقة هذه الكاتبة بمعرفة بيروت في روايتها الأخيرة، يبدو أن هذه المدينة لم تعد مدينتها فعلاً بعد ما حل فيها، وكأنها تقول، أعيدوا لنا بيروت التي عرفناها.
بيروت بيروت، الجميع يريد أن يؤرخ لهذه المدينة على طريقته، فينسبها على هواه، ويجردها عن قصد أو غير قصد من تاريخها. وتطرح رواية «بيروت 2002» لرينيه حايك أخيراً، أسئلة محددة عن العلاقة بالمكان والذات والآخرين، ويقدم الصحافي الإيطالي انطونيو فيراري ملامح من صورة «بيروت المجنونة»، فقد أتى إليها بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982 وعاش فيها بعضاً من أحلك أيامها. يروي قصة الحرب من خلال سائقه سامي الذي رافقه خلال سنواتها ليموت في زمن السلم.
Image
وكتب الفرنسي ريشار مييه في كتابه «مدينة كان اسمها بيروت» عن بيروت الستينات والسبعينات في نص تمتزج فيه الظواهر والذكريات والتاريخ الشخصي والتاريخ المشهدي والوصف.
لكن رواية «بيروت 1982» للكاتب غسان شبارو تصوّر مرحلة الإجتياح الإسرائيلي والحرب الأهلية، أما الكسندر نجار فيعمد في كتابه «رواية بيروت» إلى التركيز على 150 عاماً من تاريخ بيروت، مازجاً الوقائعي بالخيالي، مجاوراً ما بين الشخصيّات التاريخية وتلك الروائية، في صياغةٍ سرديّةٍ سلسة، تجانبُ المؤثر لكنّها لا تأنف الشعريّ أحياناً. يبدأ «رواية بيروت» من سيرة روكز، المترجم في القنصلية الفرنسيّة، المتورّط في ثورة الفلاّحين، ويتصاعد سياقها من دون بلوغ ذروته مع الياس، الطبيب البيروتي، ليبلغ النهايات (الذُّرى) مع فيليب، أحد أحفاد روكز، الذي يأخذ على عاتقه مهمّة السرد الطويل للوقائع.
في «وداعا بيروت» تروي مي غصوب كيف تحررت من أوهامها الخاصة بالسياسة بعد الفظائع التي تكشفت عنها الحرب الأهلية اللبنانية. فوجدت ملاذاً في منحوتاتها الزاهية. فلا عجب في أن تعول في بحثها عن الحقيقة على الفن والأدب أكثر من السياسة.
الكاتبة الفلسطينية المقيمة في بيروت جين سعيد مقدسي تؤرخ في كتابها «شتات بيروت/ مذكرات حرب 1975 - 1990» لتجربة العنف والدمار واللا إنسانية اليومية التي صنعت الحياة في بيروت زمن الحرب. وتكتب شهادتها عن المعاناة اليومية للمدنيين الأبرياء، وتنطق بلسان جيل من الشباب الذين ولدوا في الحروب ولم يعهدوا في حياتهم غيرها. تنسج هذه القصة مع سرد يتداخل وهجرتها الخاصة إلى القدس والقاهرة والولايات المتحدة وأخيراً بيروت. وتلقي الضوء على العلاقات المهمة المتداخلة التي تظهر الأحداث في بيروت كجزء من شبكة السياسة والتاريخ.

بيروت التاريخ

لبيروت تاريخ شفهي عريق. كان رواد المقاهي يمضون أوقاتهم فيها بالنقاش وتدخين التبغ والتنباك وشرب القهوة التركيّة. والمقاهي كما البيوت كانت تراثية في المدينة. ومع هدم المنازل التراثية لا يسقط جزء من ذاكرة بيروت فحسب، بل تزول معه الحدائق النضرة التي تحيط بهذه الدور، وهي آخر ما تبقى في العاصمة من فسحات خضراء، وتغيب آخر اشجار العاصمة المعمرة، والتي يعود بعضها إلى مئات السنين، حتى إن إحداها التي كانت تقع في «حي السراسقة» - أو ما يعرف بـ«حي الذوات» كان يقدر عمرها بألفي سنة.
وبعدما نالت المنطقة المحيطة بوسط بيروت وحي القنطاري ورأس بيروت، وتحديداً الواجهة البحرية الممتدة من عين المريسة إلى المنارة، نصيباً من «المجازر التراثية» في مراحل سابقة، تركزت «غزوات» المستثمرين على حي الجميزة، وحي السراسقة والحمرا بصورة خاصة، وهما الحيان اللذان كانا يتمتعان بهدوء مميز في العاصمة الصاخبة، فإذا بأحدهما يعيش الصخب الليلي (الجميزة) مع انتشار المطاعم والملاهي والمقاهي التي غزت الطبقات الأولى من الأبنية التراثية، بعد ظهور أكثر من برج في محيطه، والآخر (حي السراسقة) الذي فقد هدوءه كلياً مع الأبراج الجديدة على حساب الحدائق ومعالم التراث من قناطر ونوافذ مؤطرة بالصخر ومداخل عالية يعلوها الزجاج الملون، وتصل إليها عبر ممرات الزهور وأحواض الماء التي تتوسط تلك الحدائق، المسوّرة بالأشجار المعمرة. ولم يتبق في هذا الحي سوى 5 مبان تراثية أحدها متحف سرسق الذي سينتصب في محاذاته برجان قيد التنفيذ حالياً. فتنهض أبراج بيروت على أنقاض تراثها وذاكرتها.
ووقعت مجازر تراثية في حي القنطاري المجاور لبرج المر، حيث أُزيلت مجموعة من المنازل ذات الشرفات المطرزة كالدانتيل والزجاج الملون، والأعمدة الرخامية. وبالتوازي أُزيل «وادي أبو جميل» من بيروت رائعة الهندسة.
Image 

تاريخ بيروت وحاراتها

تفاوتت الجذور التاريخية للعائلات البيروتية بين نظريتين، الأولى تشير إلى أن معظم البيارتة من أصول مغربية، (المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا) والثانية هي أن بعض العائلات المغربية البيروتية هـي شامية الأصل، وتعتبر في الوقت نفسه من أهم العائلات البيروتية لما قامت به من دور بارز في بيروت في الميادين الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.
ويمكن القول أيضاً إن بعض هذه العائلات المغربية هـي أقدم العائلات التي توطنت في بيروت، لأن هجرتها الواضحة إلى المدينة بدأت بوادرها فـي العهد الأموي ثم في العصور الوسطى في فترة الحروب الصليبية، ثم بعد سقوط الأندلس عام 1492، كما توالت الهجرات المغربية عبر سنوات طويلة فيما بعد إلى بيروت ومختلف بلاد الشام إلى نهاية الإنتداب الفرنسي 1946. وكانت تقطن بيروت قبل ذلك عائلات تعود بجذورها إلى القبائل العربيّة، سواء تلك التي استوطنت فيها قبل الإسلام أو تلك التي ترافقت مـع الفتح العربي والإسلامي. ويبلغ عدد عائلات بيروت أكثر من 700 عائلة.

الحارات والشوارع والأسواق البيروتية

عندما كان يقال بيروت في العهد العثماني، كان يُقصد بيروت الوادعة داخل سورها، أما باقي المناطق كالبسطة والمصيطبة وبرج أبي حيدر وزقاق البلاط والقنطاري والباشورة والنويري والأشرفية وسواها، فكانت تعتبر ضواحي لبيروت، وكانت تتميّز بكثرة مزارعها وأشجارها لا سيما أشجار التوت التي ارتبطت زراعتها بإنتاج الحرير.
وكانت بيروت حتى العام 1746 مجرد مدينة متواضعة، ولكنها سرعان ما بدأت بالتطور الاقتصادي نتيجة للأمن الذي تميّزت به وجهود تجارها وأهلها، إضافة إلى مينائها الذي جعل منها حلقة وصل بين الشرق والغرب فتوسعت مدينة بيروت خارج السور نتيجة المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والسكانية.
أما أحياء بيروت فسنتناول بالحديث بعضاً منها لأنه سبق ذكر البعض الآخر في موضع آخر من هذا العدد. ومنها: البسطة الفوقا والتحتا، والتي إشتهرت برجالها ومقاهيها وقبضاياتها. ومن معالمها مسجد البسطة التحتا أو جامع الأحمدين نسبة لأحمد حمدي باشا والسيّد أحمد البدوي، وزاوية الباشورة التي أنشأها الشيخ عبد الله خالد، إضافة إلى مقاهي البسطة المحلية.
رأس النبع، وكانت كما يُروى ينابيع وآبار كثيرة وخاصة قي المنطقة الممتدة بين ما يسمى اليوم شارع الصيداني والبريمو. وفي رأس النبع كانت تقوم خلافات كثيرة ومنازعات دائمة على ملكية المياه وسقاية المواشي بين أبناء المصيطبة والأشرفية، كما يقول المؤرخ سلام الراسي في حكاياته.
شارع الحمرا، وسمي كذلك نسبة إلى بني الحمرا البقاعيين، حيث أنه مع تطور العمران في بيروت وضواحيها أخذت هذه المنطقة تشهد كثافة سكانيّة وأصبحت معابرها الضيقة تتسع وتمتد وتحمل أسماء تميزها بعضها عن بعض، فمحيط شارع بلس وجان دارك والمكحول كان يعُرف باسم زقاق طنطاس، أما شارع الحمرا اليوم فهو مركز اقتصادي يعم بالمحال التجارية ومقاهي الرصيف التي اشتهر فيها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لكن مقاهي الحمرا التي شهدت تاريخ بيروت اندثرت تباعاً وبات السائد يطغى على كل شيئ.
الكرنتينا، سميت كذلك نسبة إلى المحجر الصحي الذي بناه فيها هنري غيز قنصل فرنسا في بيروت عام 1834 ليقي مدينة بيروت وجوارها من الطاعون وسواه من الأوبئة.
Image
ومن أحياء بيروت، منطقة الباشورة، النويري، برج أبي حيدر، شاتيلا عائشة بكار، قريطم، الصنايع، القنطاري، الروشة، المزرعة، مار الياس، كركول الدروز، وكذلك الصيفيى، الجميزة والأشرفية وسواها.
كما أن الجميع يعرف ما حل بأسواق بيروت القديمة، سوق الإفرنج وسوق البازركان وباب إدريس وسوق الأرمن وسوق سرسق وسوق الطويلة وسوق الدلالين وسوق الصاغة وسوق أيّاس وسوق الخضرة - أبو النصر
وسوق اللحامين وسوق العطارين وسوق الحدادين وأسواق أخرى كثيرة جرى تدمير هويتها.
وكانت بيروت بحاراتها وأحيائها متداخلة، تدل على العيش المشترك، فليس مسيحيو رأس بيروت والمصيطبة وبرج أبي حيدر وغيرها من الأحياء بطارئين بل هم أصيلون، كما أن المنازل كانت متداخلة على اختلاف طوائف أهلها، ولم تشكل أحياء مقفلة إلا حين استعر الصراع الطائفي باصطفافات الطبقة السياسية الممسكة برقاب البلاد وعبادها.
محطات بيروت المشرقة كثيرة، وأسماء كثيرة من أهلها كان لها دور ثقافي واجتماعي ونضالي تاريخي. فلا يختصر تاريخها بشخص أو جماعة. هي لأهلها ومخلصيها ومناضليها وشهدائها الذين صنعوا مجدها منذ الإستقلال، ولا سيما في مواجهة العدوان والإحتلال الإسرائيلي، فتبقى عروبتها متحفزة مهما مرّ عليها من أطوار وحقبات.
                                                                           



شروط نشر التعليقات على الموقع:
الإلتزام بفضيلة الحوار وآداب النقاش وعدم استخدام الكلمات النابية والعنصرية والخادشة للحياء والابتعاد عن التحريض على العنف أو الكراهية.الأفكار الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها فقط وليس عن رأي "شبكة الشرق الأوسط للإرسال"
للإطلاع على النص الكامل للشروط الرجاء زيارة صفحة قواعد وسياسات التعليق على الموقع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق