في السنوات الأخيرة، ازداد طوفان الإسرائيليين الذين يتدفّقون إلى برلين بوتيرة مثيرة للإعجاب. ليست هناك بيانات دقيقة، وذلك - من بين أمور أخرى - لأنّ الكثير من الإسرائيليين الذين ينتقلون إلى برلين لا يكترثون أبدًا لأن يكونوا مسجلين كمقيمين في الخارج، ولكن تشير التقديرات إلى 10 آلاف حتى 25 ألف إسرائيلي، وهناك من يزعم أنّ 40 ألف إسرائيلي في برلين لا يعتبر تقديرًا مبالغًا فيه.
مبنى الرايخستاغ برلين (AFP)
مبنى الرايخستاغ برلين (AFP)
يعود بعضهم بعد سنوات معدودة، وبعضهم يتواجد في تنقل مستمر بين تل أبيب وبرلين وهناك من يقرّر الاستقرار فيها حتى آخر حياته. يتحدث جميعهم تقريبًا لكلّ من هو مستعد للسماع عن المدينة العالمية، الطوباوية تقريبًا، والتي يمكن لكل أحد فيها أن يقوم بما يرغب فيه وأن يعيش بكرامة.
تتجدّد الجالية الإسرائيلية في برلين وتحديدًا في المدينة التي كانت قبل أقل من 70 عامًا عاصمة النازيين التي طردت يهود أوروبا بالملاحقة. تملك الجالية الإسرائيلية الجديدة التي تشكّلت في برلين محطّة إذاعية، مجلة، حركات شبابية، مطاعم حمّص، أماكن للالتقاء وما لا يُحصى من صفحات الفيس بوك الخاصة بها.
ترتسم من النظرة الأولى صورة لجالية متبلورة بشكل جيّد ويعرف الجميع فيها بعضهم البعض، أو على الأقل يساعدون الواحد الآخر. هل يُعقل أنّ تكون برلين هي حقًا الجنّة المفقودة التي تهرب إليها أفضل العقول الإسرائيلية لتحقّق أهدافها؟
مدينة الرايخ الثالث لا تهدّد أبدًا
المفاجئ هو أنّ الكثير من الإسرائيليين لا يعرّفون برلين باعتبارها مثالية. بالنسبة لهم، كانت سيناء من زمن قريب حلمًا إسرائيليًّا ومثاليًّا لحياة اعتيادية في ظلّ الشرق الأوسط المشتعل والذي لا يهدأ للحظة. هناك من يعرّف برلين بأنّها "سيناء الحضرية"، قرية هائلة الأبعاد مع ميزانية ثقافية لدولة صغيرة، تكرار الشعور بأنها أحد الأحياء الذي له أبعاد مدينة أوروبية متوسطة.
وهذا كما يبدو هو سحرها؛ عدم وجود التهديد فيها. مضحك قليلا، أن نقول عن عاصمة الرايخ الثالث سابقًا إنها تتميّز بقلّة التهديد. ولكن هذه هي الحقيقة. بالنسبة لمعظم الإسرائيليين فإنّ تاريخ برلين غير ذي صلة، إذا لم يواجههم في الحياة اليومية. الصحيح أنّها مكان من السهل جدًا العثور فيه على عمل وكسب ما يكفي من المال من أجل العيش كما ينبغي دون التفكير كلّ الوقت بكيفية البقاء على قيد الحياة في كل شهر.
في الواقع فإنّ برلين هي نقطة جذب ليس للإسرائيليين فحسب، وإنما للناس من جميع أنحاء العالم. يقلّد الإسرائيليون عمومًا ما يفعله الجميع. ما تقدّمه برلين من المزايا اليوم ليس كما كان من قبل. في السابق كانت رخيصة ورائعة، واليوم هي أقل رخصًا وهناك مناطق كاملة كانت مميّزة في يوم من الأيام وأصبحت برجوازية. لم تعد فيها الأجواء السرّية التي كانت فيها سابقًا، فقد أصبحت أكثر تسويقيّة بقليل. تبدّد أثر المدينة الرخيصة، ولكنها ما زالت مكانًا من الجميل أن تكون فيه، لأنّ الثقافة مموّلة من قبل الدولة والمزاج العام لا يزال متسامحًا جدّا وحرّا.
إذًا، لماذا الهرب إلى برلين؟
الكنيش اليهودي في برلين (AFP)
الكنيش اليهودي في برلين (AFP)
لماذا يختار الكثير من الإسرائيليين الانتقال إلى برلين تحديدًا؟
يمكن العثور على الإجابة الأفضل في هذا الموقع: Israelisinberlin.de منذ العام 2010 عرض الموقع لزواره السؤال "لماذا جئت إلى برلين"، وحتى اليوم أجاب على السؤال 1223 متصفّحًا، من بينهم 225 (18%) ذكروا أنّهم قرّروا نقل مكان إقامتهم "بسبب الحبّ"، 202 (16.5%) أشاروا إلى أنّ السبب الرئيسي هو الدراسة، 131 (10.7%) اختاروا الهجرة لأسباب اقتصادية، 120 (9.8%) قالوا إنّ برلين بالنسبة لهم عاصمة الثقافة العالمية، 107 (8.7%) انتقلوا في أعقاب الحصول على عمل، 103 (8.4%) هاجروا لأسباب سياسية وغير ذلك.
بعيدًا عن جميع الإجابات الواضحة، مثل كونها مدينة رخيصة وليبرالية جدّا، ففيها أجواء من الحرّية وليس هناك تأثير للسلطات في الشوارع؛ يجب أيضًا أن نقول شيئا آخر ليس لطيفا جدًا أن نقوله اليوم. السبب الذي يجعل الإسرائيليون يشعرون بشكل جيّد إلى هذه الدرجة بالمقارنة مع دول أخرى في أوروبا هو لأنّه في كل مكان، فلدى كلّ ألماني، يختبئ ضمير سيّء يؤنبه، والإسرائيليون عمومًا يستمتعون بذلك.
الشعور بأنّ الألمان أكثر لطفًا وترحيبًا بالإسرائيليين من الفرنسيين والطليان على سبيل المثال، هو شعور صحيح. الإسرائيلية واليسارية هي بطاقات رابحة في ألمانيا.