الكومبس- تجارب وقصص نجاح: عندما تسمعُ معلومة تقول: إن " فرص النجاح في السويد ليس لها حدود"، من شخص مثل أشرف أحمد، فهذا يعني أنك تستمع أيضا إلى نصيحة، قد تكون موجهة بالأساس إلى فئة الشباب، من أصول مهاجرة، الذين يتلمسون طريق المستقبل في السويد.
قد نسمع عن وظائف عديدة إستطاع المهاجرون، أو أبنائهم الوصول إليها في السويد، ضمن مجالات متعددة من كافة المهن الحرفية، إلى قطاع المال والأعمال، مروراً بوظائف الهندسة والطب وأغلب الوظائف الحكومية والمناصب السياسية الأخرى، لكن من النادر، أن نسمع أن شخصاً من أصول أجنبية، قد وصل إلى منصب "مدعي عام"، خاصة عندما يكون هذا الشخص هو العربي الوحيد إلى الآن، الذي يشغل هذا المنصب، منذ 10 سنوات.
السويد لها الفضل في تعلمي للغة العربية

المدعي العام، أو وكيل النيابة، أشرف أحمد، استقبلنا في مكتبه الواقع وسط العاصمة ستوكهولم، في الموعد المحدد، ورحب بنا، بلغة عربية سليمة، ولكن المفاجئة كانت أيضا أنه تابع حديثه معنا إلى الآخر بالعربية، مستخدماً تعابير ومصطلحات حقوقية في موقعها الصحيح، وكأنه وصل من مصر، قبل فترة ليست بالبعيدة.
وصل أشرف أحمد، الى السويد من مصر، عندما كان طفلاً في سن الرابعة مع عائلته في العام 1978.
طفولة أحمد ونشأته في ضاحية رنكبي شمال غرب العاصمة، أعطته تجربة اجتماعية مميزة، متعددة الثقافات، وهو يتذكر كيف كانت عائلته تجلس مع عائلات عربية أخرى لمشاهدة الأفلام المصرية بالفيديو، وكيف كان يختلط مع أطفال عائلات مهاجرة أخرى.
من أهم دوافع إلتحاقه بدراسة الحقوق، أنه كان مهتما بأن يصبح محاميا للدفاع عن قضايا الفئات الضعيفة بالمجتمع، رغم عدم تفهم أهله لهذا الخيار، فهم كانوا يريدونه أن يصبح طبيباً أو مهندساً.
وعن سر اتقانه للغة العربية، على الرغم من وصوله للسويد صغيرا، يقول لـ " الكومبس " إن الفضل يعود الى نظام التعليم في السويد " الذي أتاح لي دراسة لغتي الأم، أو على الأقل التشجيع على عدم إهمالها".
أشرف أنهى دراسته الجامعية في كلية الحقوق بجامعة أوبسالا العام 1996 بدرجة ماجستير، ودرس سنة في فرنسا ضمن برامج التبادل الجامعي "راسموس".

مفارقات بداية العمل: القاضي في قاعة المحكمة اعتقد أنني أنا المتهم ولست المدعي العام


تدرج المحامي أشرف أحمد، ضمن الخدمة العامة، في عدة مناصب، بعد تخرجه من الجامعة. وعمل في عدة مناطق في السويد، منها مدينة سوندسفال في الشمال. وفي سؤال لـ " الكومبس " عما إذا كان قد تعرض لمفارقات ما أثناء عمله، أجاب مبتسما أنه في إحدى المرات وعندما كان يحتل مكانه المخصص للإدعاء العام في قاعة المحكمة على يمين القاضي، والمتهم يجلس على الجهة اليسرى، وجه القاض كلامه لي مشيرا بيده نحوي لكي أتكلم، على أساس أنني أنا المتهم. وتابع أشرف حديثه وهو يضحك: " أنا بالتاكيد لم أتأثر، مع أن القاضي يمكن أن يكون قد أخطأ موقعي بسبب ملامحي الشرقية".
وبمناسبة هذا الحديث، أكد أشرف أنه لم يتعرض إطلاقا للتمييز خلال انخراطه بالدراسة أو العمل، بل كان يجد كل الإحترام والتفهم، خاصة انه كان يثق بنفسه وبقدراته وبالهدف الذي وضعه نصب عينيه.
IMG_9107.JPG

"أدعو الشباب المهتمين بدراسة الحقوق إلى عدم التردد بطلب العمل في سلك النيابة العامة"
يعتبر المدعي العام أشرف، أنه لشيء طبيعي أن يفرز النظام الاجتماعي في السويد نوع وعدد وظائف تمثل جميع مكونات المجتمع. وعن صعوبة تحقيق الوصول إلى نسب حقيقية لهذا التمثل، يعتقد اشرف أن الجرأة والمثابرة، هي التي تساعد على وصول المواطنين من أصول أجنبية إلى أية وظيفة يسعون لها.

"اتقان اللغة العربية ومعرفة الثقافة الشرقية عوامل مساعدة في منصبي كمدعي عام" 
يقول أشرف إن منصب المدعي العام هو منصب حساس جداً وله إستقلاليته، ولا يستطيع حتى مسؤولي المباشر التدخل في عملي وفي قراراتي طالما لا تخرج هذه القرارات عن الإطار القانوني، خاصة أن القضاء، كما نعلم هو سلطة مستقلة ومنفصلة عن بقية السلطات، وهذا ما تمارسه السويد قولاً وفعلاً.
ويضيف: هذه المهنة قد تضعك أحيانا في مواقف عند اتخاذ القرار، تحتاج منك أن تجد التوازن المطلوب بين كونك إنساناً لك مشاعر، وبين كونك صاحب منصب مسؤول عن تنفيذ القانون. لأن قرارات المدعي العام يمكن أن تغير حياة الأشخاص المعنيين، وتقلبها رأسا على عقب.
يؤكد أشرف أنه في عدة مرات كان يعطي معلومات عن نصوص القانون في السويد باللغة العربية للمدعين وللمدعى عليهم، ويتحدث معهم بلغتهم الأم، كما حدث في قضية عصابة سوديرتاليا الشهيرة، حيث استخدم أشرف اللغة العربية عدة مرات في الحديث مع طرفي القضية، وهذا ما كان يسهل في كثير من الأحيان إجراءات المحكمة والتحقيقات. مضيفاً أنه في كثير من الأحيان كان يكسر حاجز الخوف من الشرطة والسلطة القضائية، أمام من يتكلم معهم بالعربية، ويساعدهم على تفهم مهمة الشرطة الحقيقية في السويد.
يذكر ايضا أنه وأثناء فترة مناوبته الليلية كمدعي عام في ستوكهولم، وصلت له قضية محاولة اغتصاب سيدة من قبل زوجها، وكان بامكانه الحجز على المدعى عليه، لكنه إكتفى بتأنيبه، والشرح له بأن القانون السويدي يمنع ممارسة الجنس حتى مع شريكة الحياة بدون موافقتها، وحذره من تكرار ذلك قائلاً له " في المرة المقبلة، وفي حالة تكرار الفعلة، ساحجز عليك مباشرة".
وهنا يؤكد المدعي العام أشرف أحمد على أهمية أن يحصل القادمون الجُدد تحديداً، وكل الأجانب إجمالا على معلومات صحيحة حول المجتمع السويدي وقوانينه وأعرافه، مثنياً على شبكة " الكومبس" الإعلامية لأنها تساهم في نشر المعرفة عن السويد، والمجتمع السويدي باللغة العربية، مضيفاً أن الجهل بالقانون يعرض أحيانا الناس للوقوع بالخطأ.
في نهاية المقابلة شكرنا المدعي العام أشرف أحمد على ما خصصه لنا من وقت، كما وعدنا بلقاءات في مناسبات مقبلة للحديث عن قضايا مختلفة ضمن مجال القضاء والإدعاء العام.

حاوره: محمود صالح آغا

IMG_9102.JPG